للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْحَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلَ عَلَى فَرَسٍ، وَبِيَدِهِ قَنَاةٌ، فَلَمَّا رَأَى خَيْلَ اللَّهِ وَالْقَتْلَ دَخَلَهُ رُعْبٌ حَتَّى مَا يَسْتَمْسِكُ مِنَ الرِّعْدَةِ، فَرَجَعَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْكَعْبَةِ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَطَرَحَ سِلَاحَهُ، وَدَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِهَا، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ سِلَاحَهُ وَفَرَسَهُ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اقْتُلُوهُ) زَادَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ: فَقُتِلَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَائِذٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَأَخْرَجَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ابْنَ خَطَلٍ، فَضُرِبَتُ عُنُقُهُ صَبْرًا بَيْنَ زَمْزَمَ وَمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ: لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا صَبْرًا» "، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ فِي أَبِي مَعْشَرٍ مَقَالًا، وَاخْتُلِفَ هَلْ قَاتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ، أَوْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، أَوْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَوْ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، أَوْ أَبُو بَرْزَةَ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ ثُمَّ زَايٍ مَنْقُوطَةٍ مَفْتُوحَةٍ، الْأَسْلَمِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ مَا جَاءَ فِي تَعْيِينِ قَاتِلِهِ، وَرَجَّحَهُ الْوَاقِدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْبَلَاذُرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتُحْمَلُ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ عَلَى أَنَّهُمُ ابْتَدَرُوا قَتْلَهُ، فَكَانَ الْمُبَاشِرَ مِنْهُمْ أَبُو بَرْزَةَ، وَجَزَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَهْذِيبِ السِّيرَةِ بِأَنَّ سَعِيدَ بْنِ حُرَيْثٍ، وَأَبَا بَرْزَةَ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: وَإِنَّمَا أُمِرَ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فَبَعَثَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى مُسْلِمٌ يَخْدُمُهُ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا، وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَاتَّخَذَ قَيْنَتَيْنِ تُغْنِيَانِ لَهُ بِهِجَاءِ النَّبِيِّ.

(قَالَ مَالِكٌ) جَوَابًا عَنْ كَوْنِ الْمِغْفَرِ عَلَى رَأْسِهِ: (وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (مُحْرِمًا) إِذْ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ تَحَلَّلَ يَوْمَئِذٍ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَظَاهِرُهُ الْجَزْمُ بِذَلِكَ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهَا لِلتَّبَرُّكِ وَالتَّقْوِيَةِ.

وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ عَنْ مَالِكٍ: وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا نُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا.

وَقَدْ وَرَّاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ جَزْمًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْقَاطِ: فِيمَا نُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَصَرَّحَ جَابِرٌ بِمَا جَزَمَ بِهِ مَالِكٌ، أَوْ ظَنَّهُ فَقَالَ: بِغَيْرِ إِحْرَامٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَدُخُولُهَا بِلَا إِحْرَامٍ مِنَ الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَجَازَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمَ مَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ، فَإِنْ دَخَلَهَا أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُجِيرُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ، وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أُبِيحَ لَهُ الْقَتْلُ بِهَا.

وَأُجِيبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>