الْأَنْدَلُسِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الصِّدِّيقِ إِلَّا هَذَا فَإِنَّهُ لِثَاقِبِ عِلْمِهِ وَشِدَّةِ صَرَامَتِهِ وَقُوَّةِ إِنْصَافِهِ وَصِحَّةِ تَحْقِيقِهِ بَادَرَ إِلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ فَزَجَرَ وَأَفْتَى وَأَمْضَى وَأَخْبَرَ فِي الشَّرِيعَةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَتِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ بِمَا صَدَقَهُ فِيهِ وَأَجْرَاهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ الْكُبْرَى إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ فَضَائِلِهِ الْأُخْرَى انْتَهَى.
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ» " «وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَأَعْجَلْتُ عَنْهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَخَذْتُهَا فَأَرْضِهِ مِنْهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ فَسَكَتَ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُفِيئُهَا اللَّهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيكَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ عُمَرُ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ قَدْ أَخْرَجَ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ فَهُوَ أَتْقَنُ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ مِنْ كُلِّ مَقْتُولٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَفِي الْبَيْعِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَفِي الْمَغَازِي عَنِ التِّنِّيسِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَشِيمٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute