الْفَرَزْدَقِ فَقُلْتُ: أَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِيكَ؟ قَالَ: إِي هَا اللَّهِ إِذًا سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي فَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي فَلَمْ أَرْضَ كَمَالَهَا أَفَلَا أَعُودُ لَهَا؟ قَالَ: بَلَى هَا اللَّهِ إِذًا.
انْتَهَى مَا اقْتَطَفْتُهُ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي فَقَدْ أَطَالَ النَّفَسَ فِي ذَلِكَ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.
ثُمَّ أَرَادَ بَيَانَ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ (لَا يَعْمِدُ) بِالتَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ لَا يَقْصِدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَى أَسَدٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ إِلَى رَجُلٍ كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي الشَّجَاعَةِ (مِنْ أَسَدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ (يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ صُدُورِ قِتَالِهِ عَنْ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ بِسَبَبِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: ٨٢] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ ٨٢) أَوِ الْمَعْنَى: يُقَاتِلُ ذَبًّا عَنْ دِينِ اللَّهِ إِعْلَاءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ نَاصِرًا لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِنَصْرِ دِينِ اللَّهِ وَشَرِيعَةِ رَسُولِهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
(فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ) أَيْ سَلَبَ قَتِيلِهِ الَّذِي قَتَلَهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ، فَأَضَافَهُ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، قَالَ الْحَافِظُ: ضُبِطَ لِلْأَكْثَرِ بِالتَّحْتِيَّةِ فِي يَعْمِدُ وَيُعْطِي، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالنُّونِ فِيهِمَا انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ ضَبَطُوهُمَا بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ.
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ) أَبُو بَكْرٍ (فَأَعْطِهِ) بِهَمْزَةِ قَطْعِ أَمْرٌ لِلَّذِي اعْتَرَفَ بِأَنَّ السَّلَبَ عِنْدَهُ (إِيَّاهُ) أَيِ السَّلَبَ، وَفِي هَذِهِ مَنْقَبَةٌ جَلِيلَةٌ لِأَبِي قَتَادَةَ حَيْثُ سَمَّاهُ الصِّدِّيقُ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ وَصَدَقَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَرَاءٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ، ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِسَبْعِ أَوَاقٍ فِضَّةً (فَاشْتَرَيْتُ بِهِ مَخْرَفًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرِ الرَّاءِ أَيْ بُسْتَانًا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُخْتَرَفُ مِنْهُ الثَّمَرُ أَيْ يُجْتَنَى، وَإِمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ اسْمُ الْآلَةِ الَّتِي يُخْتَرَفُ بِهَا قَالَهُ الْحَافِظُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَا كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: مَخْرَفٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ كَالْمَسْجِدِ أَيِ الْبُسْتَانِ، وَقِيلَ السِّكَّةُ مِنَ النَّخْلِ يَكُونُ صَفَّيْنِ يَخْتَرِفُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ أَنْ يَجْتَنِيَ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هِيَ الْجُنَيْنَةُ الصَّغِيرَةُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ نَخَلَاتٌ يَسِيرَةٌ انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ خِرَافًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ الثَّمَرُ الَّذِي يُخْتَرَفُ أَيْ يُجْتَنَى وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْبُسْتَانِ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: بُسْتَانُ خِرَافٍ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْبُسْتَانَ الْمَذْكُورَ كَانَ يُقَالُ لَهُ الْوِدِّيَّيْنِ (فِي بَنِي سَلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ قَوْمُ أَبِي قَتَادَةَ (فَإِنَّهُ لِأَوَّلِ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ) بِفَوْقِيَّةٍ فَأَلِفٍ فَمُثَلَّثَةٍ أَيِ اقْتَنَيْتُهُ وَأَصَّلْتُهُ وَأَثْلَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ (فِي الْإِسْلَامِ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَالٍ اعْتَقَدْتُهُ أَيْ جَعَلْتُهُ عُقْدَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنَ الْعَقْدِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا عَقَدَ عَلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute