فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: ١] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ ١) الْآيَةَ فَقَسَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ» " وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخُمُسِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ نَفْسُهُ رَوَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْفَالِ فِي الْآيَةِ الْغَنَائِمُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ لِلرَّجُلِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رَآهُ مُتَعَنِّتًا.
(قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ) قَارَبَ (أَنْ يُحْرِجَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ وَسَقَطَتْ أَنْ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ أَفْصَحُ (ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا) أَيْ صِفَتُهُ (مَثَلُ صَبِيغٍ) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ ابْنِ عِسْلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ ابْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ لَهُ إِدْرَاكٌ وَمَثَّلَهُ بِهِ لِأَنَّهُ رَآهُ مُصْغٍ لِلْعِلْمِ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ حَقِيقٌ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ مِثْلُ صَبِيغٍ (الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، ثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ فِيهَا رَجُلًا يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ يُقَالُ لَهُ صَبِيغٌ يُرِيدُ قُدُومَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِهِ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَخْتَلِفُ إِلَى الثَّنِيَّةِ يَسْأَلُ عَنْ صَبِيغٍ حَتَّى طَلَعَ بَعِيرٌ وَقَدْ لَهِجَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَلْبَسُ الْفِقْهَ بِفِقْهِهِ إِلَيْهِ، فَانْتَزَعَ الرَّجُلُ خِطَامًا مِنْ يَدِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ عُمَرَ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ثُمَّ حَبَسَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ أَيْضًا فَقَالَ صَبِيغٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَأَجْهِزْ عَلَيَّ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شِفَايَ فَقَدْ شَفَيْتَنِي شَفَاكَ اللَّهُ فَأَرْسَلَهُ عُمَرُ.
وَرَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَنَافِعٌ قَالَا: " قَدِمَ الْمَدِينَةَ رَجُلٌ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَأَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ، قَالَ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُهُ فِي رَأْسِي ثُمَّ نَفَاهُ إِلَى الْبَصْرَةِ " وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسٍ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدٍ وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَزَادُوا عَنِ الثَّالِثِ وَكَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ: لَا تُجَالِسُوهُ فَلَوْ جَاءَ وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا.
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى لَا تُجَالِسْ صَبِيغًا وَأَحْرِمْهُ عَطَاءَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدٍ قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّمِيمِيُّ إِلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنِ الذَّارِيَاتِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَأَمَرَ عُمَرُ فَضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ فَلَمَّا بَرَأَ دَعَاهُ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: حَرِّمْ عَلَى النَّاسِ مُجَالَسَتَهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ أَنَّهُ صَلَحَ حَالُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَلَمْ يَزَلْ صَبِيغٌ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ سَيِّدًا فِيهِمْ.
قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: اتَّهَمَهُ عُمَرُ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ.
وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute