جَمْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ لَطِيفَةٍ لِأَنَّهَا مُتَلَازِمَةٌ، وَكَذَا أَضْدَادُهَا الصِّدْقُ وَالْكَرَمُ وَالشَّجَاعَةُ، وَأَصْلُ الْمَعْنَى هُنَا الشَّجَاعَةُ، فَإِنَّ الشُّجَاعَ وَاثِقٌ مِنْ نَفْسِهِ بِالْخُلْفِ مِنْ كَسْبِ سَيْفِهِ فَبِالضَّرُورَةِ لَا يَبْخَلُ، وَإِذَا سَهُلَ عَلَيْهِ الْعَطَاءُ لَا يَكْذِبُ بِالْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ لِأَنَّ الْخُلْفَ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنَ الْبُخْلِ، وَقَوْلُهُ: " لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ " تَنْبِيهٌ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا سَمَحَ بِمَالِ نَفْسِهِ فَلِأَنْ يَسْمَحَ بِقَسْمِ غَنَائِمِهِمْ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، وَاسْتِعْمَالُ ثُمَّ هُنَا لَيْسَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَاهَا وَإِنْ كَانَ الْكَرَمُ يَتَقَدَّمُ الْعَطَاءَ، لَكِنَّ عِلْمَ النَّاسِ بِكَرَمِ الْكَرِيمِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَطَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِثُمَّ الدَّلَالَةَ عَلَى تَرَاخِي الْعِلْمِ بِالْكَرَمِ عَنِ الْعَطَاءِ وَإِنَّمَا التَّرَاخِي هُنَا لِعُلُوِّ رُتْبَةِ الْوَصْفِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَعْلَى مِنَ الْعَطَاءِ بِمَا لَا يُتَعَارَفُ أَنْ يَكُونَ الْعَطَاءُ عَنْ كَرَمٍ، فَقَدْ يَكُونَ عَطَاءً بِلَا كَرَمٍ كَعَطَاءِ الْبَخِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَفِيهِ ذَمُّ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحِلْمِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَسَعَةِ الْجُودِ وَالصَّبْرِ عَلَى جُفَاةِ الْأَعْرَابِ، وَجَوَازُ وَصْفِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ بِالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِخَوْفِ ظَنِّ أَهْلِ الْجَهْلِ بِهِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الْفَخْرِ الْمَذْمُومِ وَرِضَى السَّائِلِ بِالْحَقِّ لِلْوَعْدِ إِذَا تَحَقَّقَ مِنَ الْوَاعِدِ التَّنْجِيزُ، وَأَنَّ الْخِيَارَ لِلْإِمَامِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ إِنْ شَاءَ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَرْبِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ.
(فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَنْ نَاقَتِهِ (قَامَ فِي النَّاسِ: فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْتِيَّةٍ بِزِنَةِ لِحَافٍ أَيِ الْخَيْطَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْخَائِطِ وَأَعُدُّ الْخُيُوطَ الْمَعْرُوفَةَ وَإِنِ احْتَمَلَ الْخِيَاطُ الْإِبْرَةَ لَكِنْ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ: (وَالْمِخْيَطَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ فَإِنَّهُ الْإِبْرَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذَا خَرَجَ عَلَى التَّقْلِيلِ لِيَكُونَ مَا فَوْقَهُ أَوْلَى بِالدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ (فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شَيْءٌ يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْنٌ أَوْ سُبَّةٌ فِي الدُّنْيَا (وَنَارٌ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَشَنَارٌ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ أَقْبَحُ الْعَيْبِ وَالْعَارِ (عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الشَّنَارُ لَفْظَةٌ جَامِعَةٌ لِمَعْنَى النَّارِ وَالْعَارِ وَمَعْنَاهَا الشَّيْنُ وَالنَّارُ يُرِيدُ أَنَّ الْغُلُولَ شَيْنٌ وَعَارٌ وَمَنْقَصَةٌ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ وَنَارٌ فِي الْآخِرَةِ.
(قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ شَعْرَةً (مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شَكَّ الرَّاوِي، وَلِلنَّسَائِيِّ: " ثُمَّ مَالَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا وَبَرَةً فَوَضَعَهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ " (ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الْوَبَرَةِ (إِلَّا الْخُمُسُ) فَإِنَّهُ لِي أَعْمَلُ فِيهِ بِرَأْيِي (وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) بِاجْتِهَادِي لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ مَقْسُومَةٌ عَلَى الْمُقَاتِلِينَ: الشَّرِيفُ وَالْمَشْرُوفُ وَالرَّفِيعُ وَالْوَضِيعُ وَالْغَنِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute