زَائِدَةٌ؛ أَيْ: لَيْسَ ضَرُورَةٌ عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْهَا، إِذْ لَوْ دُعِيَ مِنْ وَاحِدٍ لَحَصَلَ مُرَادُهُ وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْعَى بَلْ مِنْ جَمِيعِهَا بَلْ هُوَ تَكْرِيمٌ وَإِعْزَازٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ: يُرِيدُ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَبْوَابِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَبْوَابِ فَأَطْلَقَ الْجَمِيعَ وَأَرَادَ الْوَاحِدَ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُرِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ أَهْلِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ وَدُعِيَ مِنْ بَابِهَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ دُخُولُ الْجَنَّةِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا خَصَّ كُلَّ بَابٍ بِمَنْ أَكْثَرُ نَوْعًا مِنَ الْعِبَادَةِ وَسَمِعَ ذَلِكَ الصِّدِّيقُ رَغِبَ فِي أَنْ يُدْعَى مِنْ كُلِّ بَابٍ وَقَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْهَا ضَرَرٌ بَلْ شَرَفٌ وَإِكْرَامٌ فَسَأَلَ فَقَالَ: (فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟) وَيَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ (قَالَ: نَعَمْ) يُقَالُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ بَابٍ إِنَّ لَكَ هُنَا خَيْرًا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَكَ لِعِبَادَتِكَ الْمُخْتَصَّةِ بِالدُّخُولِ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
وَقَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فِي الدُّخُولِ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ إِكْرَامًا لَهُ لِاسْتِحَالَةِ الدُّخُولِ مِنَ الْكُلِّ مَعًا فَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَعَلَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي يَكُونُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " «فُتِحْتَ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» " لِأَنَّهَا تُفْتَحُ لَهُ تَكْرِيمًا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ.
(وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الرَّجَاءُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ نَبِيِّهِ وَاقِعٌ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَلَفْظُهُ: " فَقَالَ: أَجَلْ وَأَنْتَ هُوَ يَا أَبَا بَكْرٍ " وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِقِلَّةِ مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ لَا وَاجِبَاتُهَا لِكَثْرَةِ مَنْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْوَاجِبَاتِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعَاتِ فَقَلَّ مَنْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، ثُمَّ الْإِنْفَاقُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ وَالْحَجِّ ظَاهِرٌ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَمُشْكِلٌ، فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْفَاقِ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَسَائِلِهَا مِنْ تَحْصِيلِ آلَاتِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَتَطْهِيرِ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَمَكَانٍ.
وَفِي الصِّيَامِ بِمَا يُقَوِّيهِ عَلَى فِعْلِهِ وَخُلُوصِ الْقَصْدِ فِيهِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ بِتَرْكِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ حَقٍّ، وَفِي التَّوَكُّلِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَرَضِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ مَعَ الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ، أَوْ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ ذَلِكَ طَلَبًا لِلثَّوَابِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الذِّكْرِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْفَاقِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بَذْلُ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ فِيهِمَا، فَالْعَرَبُ تُسَمِّي مَا يَبْذُلُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ صَدَقَةً كَمَا يُقَالُ: أَنْفَقْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ عُمْرِي وَبَذَلْتُ فِيهِ نَفْسِي وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالزَّوْجَيْنِ النَّفْسُ وَالْمَالُ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ: النَّفَقَةُ فِي الصِّيَامِ تَقَعُ بِتَفْطِيرِ الصَّائِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute