وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ» ) بِلَامِ التَّمْلِيكِ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا فِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ، أَيْ وَهَبْتُ أَمْرَ نَفْسِي لَكَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْحُرِّ لَا تُمَلَّكُ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: أَتَزَوَّجُكَ بِلَا صَدَاقٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ (فَقَامَتْ طَوِيلًا) نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ أَيْ قِيَامًا، سُمِّيَ مَصْدَرًا لِأَنَّهُ اسْمُ الْفِعْلِ أَوْ عَدَدُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهَذَا قَامَ فَسُمِّيَ بِاسْمِ مَا وَقَعَ مَوْقِعَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ " فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ " (فَقَامَ رَجُلٌ) لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا) لَمْ يَقُلْ هَبْهَا لِي لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠] [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ ٥٠] فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ صَدَاقٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء: ٤] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِالْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: ٥] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٥] وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٥] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٥] يَعْنِي مُهُورَهُنَّ، وَإِنِ اقْتَضَى الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ الْبَدَلُ بِهِ وَالْعِوَضُ يَجُوزُ هِبَتُهُ، لَكِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بُضْعَ النِّسَاءِ إِلَّا بِالْمَهْرِ وَأَنَّ الْمَوْهُوبَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ.
(إِنْ لَمْ تَكُنْ) بِفَوْقِيَّةٍ (لَكَ بِهَا حَاجَةٌ) بِزَوَاجِهَا وَفِيهِ حُسْنُ أَدَبِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ) بِزِيَادَةِ مِنْ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ مُتَعَلَّقُ الظَّرْفِ، وَجُمْلَةُ (تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ) فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِـ " شَيْءٍ "، وَيَجُوزُ جَزْمُهُ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَتُصْدِقُ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ، ثَانِيهُمَا " إِيَّاهُ "، وَهُوَ الْعَائِدُ مِنَ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ.
(فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَلَهَا نِصْفُهُ قَالَ وَمَا لَهُ رِدَاءٌ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ» ) جَوَابُ الشَّرْطِ وَلَا نَافِيَةٌ وَالِاسْمُ مَبْنِيٌّ مَعَ لَا، وَلَكَ يَتَعَلَّقُ بِالْخَبَرِ أَيْ وَلَا إِزَارَ كَائِنٌ لَكَ فَتَنْكَشِفُ عَوْرَتُكَ، وَفِيهِ أَنَّ إِصْدَاقَ الشَّيْءِ يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَمَنْ أَصْدَقَ جَارِيَتَهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ شَرْطَ الْمَبِيعِ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْعًا، سَوَاءٌ امْتَنَعَ حِسًّا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ شَرْعًا فَقَطْ كَالْمَرْهُونِ، وَمِثْلُ هَذَا الَّذِي لَوْ زَالَ إِزَارُهُ انْكَشَفَ وَفِيهِ نَظَرُ الْكَبِيرِ فِي مَصَالِحِ الْقَوْمِ وَهِدَايَتُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّفْقِ بِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: مَا تَصْنَعُ - أَيِ: الْمَرْأَةُ - بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ (فَالْتَمَسَ شَيْئًا) فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ (فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، قَالَ: الْتَمِسْ) اطْلُبْ (وَلَوْ خَاتَمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute