مِنْ حَدِيدٍ) قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا التَّحْدِيدِ لِأَنَّ الرَّجُلَ نَفَى قَبْلَ ذَلِكَ وُجُودَ شَيْءٍ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ خَاتَمِ حَدِيدٍ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ مَا يُقَدِّمُهُ لَا أَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ خَاتَمُ حَدِيدٍ، وَهَذَا يُضَعِّفُهُ اسْتِحْبَابُ مَالِكٍ تَقْدِيمَ رُبُعِ دِينَارٍ لَا أَقَلَّ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ فَأَجَازَهُ قَوْمٌ إِذْ لَمْ يَثْبُتِ النَّهْيُ عَنْهُ، وَمَنَعَهُ قَوْمٌ وَقَالُوا: كَانَ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ وَقَبْلَ قَوْلِهِ " إِنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ " (فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي أُخْرَى: فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ لَهُ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ) مَعِي (سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا) بِالتَّكْرَارِ وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثًا (لِسُوَرٍ سَمَّاهَا) فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ: أَنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا بِأَوْ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْبَقَرَةُ وَسُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَلِأَبِي الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] وَفِي فَوَائِدِ أَبِي عُمَرَ بْنِ حَيَّوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعِي أَرْبَعُ سُوَرٍ أَوْ خَمْسُ سُوَرٍ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ، وَجُمِعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ أَوْ تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا) وَلِلتِّنِّيسِيِّ: زَوَّجْنَاكَهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: مَلَّكْتُكَهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هِيَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ زَوَّجْتُكَهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ صِحَّةُ الْوَجْهَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ جَرَى ذِكْرُ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا ثُمَّ لَفْظُ التَّمْلِيكِ ثَانِيًا أَيْ إِنَّهُ مَلَكَ عِصْمَتَهَا بِالتَّزْوِيجِ السَّابِقِ (بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ) الْبَاءُ لِلْعِوَضِ كَبِعْتُكَ ثَوْبِي بِدِينَارٍ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَنْكَحَهَا بِحِفْظِهِ الْقُرْآنَ أَيْ إِنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ إِكْرَامًا لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا أَنْ يُعَلِّمَهَا مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ قَدْرًا مِنْهُ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا تَعْلِيمَهُ إِيَّاهَا، وَجَاءَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ تَكُونُ صَدَاقًا.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: اذْهَبْ فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ.
وَفِي أَبِي دَاوُدَ: فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاللَّيْثُ وَمَكْحُولٌ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِمَا حَفِظْتَ مِنَ الْقُرْآنِ وَصِرْتَ لَهَا كُفُؤًا فِي الدِّينِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ. انْتَهَى.
وَقَدْ حُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ فِي مَذْهَبِهِ، وَدَلِيلُهُ مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ السَّكَنِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَزْدِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ: " «زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute