عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَفَعَاهُ: " «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» " لَكِنَّهُمَا ضَعِيفَا السَّنَدِ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِمَا (لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: وَ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ (أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى) وَالنِّكَاحُ شَرْعًا إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى وَطْءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَطْءِ.
(فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ) فَيَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَحْضَ زِنًى لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ (فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَلَيْهِ جُلُّ أَصْحَابِ مَالِكٍ، بَلْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَشْيَاخِ مِنْهُمْ سَحْنُونٌ بِأَنْ جَمِيعَهُمْ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِنْ زَنَى بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوِ ابْنَتِهَا فَلْيُفَارِقْهَا، حَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَيْ كَرَاهَةِ الْبَقَاءِ مَعَهَا وَاسْتِحْبَابِ فِرَاقِهَا، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إِلَى تَرْجِيحِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَأَنَّ دَلِيلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّحْرِيمِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ - ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ عُمْدَتَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ ٢٢] فَحَمَلُوا " وَلَا تَنْكِحُوا " عَلَى الْعَقْدِ، " مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ " عَلَى الْوَطْءِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ النِّكَاحَ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ، نَحْوُ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٣٠] {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: ٣] [سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ ٣] {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: ٣٣] [سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ ٣٣] وَمَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِـ " مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمُ " الْوَطْءُ، فَالْمَعْنَى بِهِ الْوَطْءُ الْحَلَالُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ اسْمُ النِّكَاحِ، أَمَّا الزِّنَى فَيُقَالُ فِيهِ سِفَاحٌ، وَأَيْضًا فَالزِّنَى لَا تَثْبُتُ بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَاللِّوَاطِ، وَأَيْضًا الْحُرْمَةُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالْإِحْصَانِ وَالنَّفَقَةِ وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَى، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ تَحْرِيمٌ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ كَتَحْرِيمِ الْفِطْرِ بِهِ وَإِفْسَادِ الْحَجِّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِهِ وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي إِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي الْإِفْسَادِ اللِّوَاطُ وَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute