للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ تُسَمَّ، إِلَّا أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارٍ جَزَمَ بِأَنَّهَا ابْنَةَ أَبِي الْحَيْسَرِ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ آخِرَهُ رَاءٌ، وَاسْمُهُ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ الْقَاسِمَ وَأَبَا عُثْمَانَ عَبْدَ اللَّهِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟) مَهْرًا، وَفِي رِوَايَةٍ: كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنَ الْمَهْرِ، وَقَدْ يُشْعِرُ ظَاهِرُهُ احْتِيَاجَهُ إِلَى تَقْدِيرٍ لِأَنَّ " كَمْ " مَوْضُوعَةٌ لَهُ، فَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ أَقَلَّ الصَّدَاقِ مُقَدَّرٌ. (فَقَالَ) سُقْتُ إِلَيْهَا (زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْأَكْثَرُ: هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَالنَّوَاةُ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: النَّوَاةُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَوَاةُ التَّمْرِ أَيْ وَزْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: النَّوَاةُ بِالْمَدِينَةِ رُبْعُ دِينَارٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذَهَبٌ إِنَّمَا هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً، قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ الزَّوَاوِيُّ: لَكِنَّ قَوْلَهُ " مِنْ ذَهَبٍ " يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ صَرْفُ زِنَةِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَيَكُونُ زِنَتُهَا حِينَئِذٍ مِنَ الذَّهَبِ صَرْفُهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَذَلِكَ غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِنَّ الصَّرْفَ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّوَى مَا زِنَتُهُ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَى الْوَزْنِ بِهِ عِنْدَهُمُ اهـ. لَكِنْ ضَعَّفَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالطِّيبِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ نَوَى التَّمْرِ بِأَنَّ زِنَتَهَا لَا تُضْبَطُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ، وَأَرَادَ قَائِلُهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الصَّدَاقِ، وَلَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ " مِنْ ذَهَبٍ " وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارَيْنِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْ قَائِلِهِ، بَلْ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ: لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَوَهِمَ الدَّاوَدِيُّ رِوَايَةَ " مِنْ ذَهَبٍ " وَقَالَ: الصَّحِيحُ نَوَاةً، وَلَا وَهْمَ فِيهِ عَلَى كُلِّ تَفْسِيرٍ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَوَاةُ تَمْرٍ كَمَا قَالَ أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ صَلُحَ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ وَزْنُ كَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ وَوَهْمُهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَوَهِمَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمِثْقَالَ دِرْهَمَانِ عَدَدًا وَدِرْهَمُ الْفِضَّةِ كَيْلًا، دِرْهَمٌ وَخُمْسَانِ وَوَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ مِنْ ذَهَبٍ أَكْثَرُ مِنْ مِثْقَالَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ.

قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَاهُ يَصِحُّ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ صَرَفَهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ كَمَا قُلْنَا فِي تَقْدِيرِ نَوَاةٍ، وَلَا بُعْدَ فِي هَذَا لِلْمُتَأَمِّلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ الْوَهْمِ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ: وَيَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا ذَهَبًا زِنَتُهُ نَوَاةٌ، وَالنَّوَاةُ وَزْنٌ مَعْرُوفٌ هُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ، وَذَلِكَ ثَمَنُ أُوقِيَّةٍ لِأَنَّهَا أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الصَّرْفِ وَلَا التَّأْوِيلِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْمَعْنَى قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّدَاقَ ذَهَبٌ وَزْنُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ دَرَاهِمَ خَمْسَةٍ بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَعَلَى الْأَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>