للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ مِنْ ذَهَبٍ بِلَفْظِ زِنَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي بِنَوَاةٍ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِزِنَةٍ فَلِأَنَّهُ مَصْدَرُ وَزَنَ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِنَوَاةٍ فَيَصِحُّ أَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ، أَيْ نَوَاةٍ كَائِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مَا عَدْلُهَا دَرَاهِمَ أَوْ يَكُونُ هُوَ الْمَوْزُونُ بِهَا. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلصَّحِيحِ: فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ (أَوْلِمْ) أَمْرُ نَدْبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ لِلْوُجُوبِ لِحَدِيثِ: " «مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ". قَالَ الْمَازَرِيُّ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ لَا فِي تَرْكِ الْوَلِيمَةِ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنَّ الدَّعْوَةَ لَا تَجِبْ وَالْإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ كَالسَّلَامِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ. وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ بِأَنَّ الْعِصْيَانَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ وَالْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ اهـ. وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ لِاقْتِضَاءِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعِصْيَانِ مَعَ أَنَّهُ إِثْمٌ (وَلَوْ بِشَاةٍ) لَوْ تَقْلِيلِيَّةٌ لَا امْتِنَاعِيَّةٌ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ التَّوْسِعَةُ فِيهَا لِلْوَاجِدِ بِذَبْحٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّ الشَّاةَ لِأَهْلِ الْجَدَّةِ أَقَلُّ مَا يَكُونُ لَا التَّحْدِيدُ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْهَا بَلْ عَلَى طَرِيقِ الْحَضِّ وَالْإِرْشَادِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهَا وَهِيَ بِقَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا دَلِيلَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرَ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ شُهْرَةُ الدُّخُولِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، وَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابُهَا ثُمَّ الْعَقْدُ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ، وَاسْتَحَبَّهَا بَعْضُ شُيُوخِنَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لِيَكُونَ الدُّخُولُ بِهَا، وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَكْرَارِهَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ بِالْإِجَازَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا لِأَهْلِ السَّعَةِ أُسْبُوعًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَذَلِكَ إِذَا دَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَنْ لَمْ يَدْعُ قَبْلَهُ، وَكَرَّهُوا فِيهَا الْمُبَاهَاةَ وَالسُّمْعَةَ اهـ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَلِيمَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إِشْهَارِ النِّكَاحِ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مَالِكٍ: اسْتُحِبَّ الْإِطْعَامُ فِي الْوَلِيمَةِ وَكَثْرَةُ الشُّهُودِ لِيَشْتَهِرَ النِّكَاحُ وَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُولِمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ، قِيلَ: فَمَنْ أَخَّرَ إِلَى السَّابِعِ؟ قَالَ: فَلْيَجِبْ وَلَيْسَ كَالْوَلِيمَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ عَقْدِهِ» ". وَلَفْظُ " عِنْدَ " يَحْتَمِلُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَكَيْفَمَا كَانَ، فَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ إِشْهَارِهِ قَبْلُ " أَفْضَلُ " كَالْإِشْهَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بَعْدَهُ لِمَنْ فَاتَهُ قَبْلُ، أَوْ لَعَلَّهُ اخْتَارَهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الرِّضَا بِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ مِنْ حَالِ الزَّوْجَةِ، وَالْمُبَاحُ مِنَ الْوَلِيمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ سَرِفٍ وَلَا سُمْعَةٍ، وَالْمُخْتَارُ مِنْهَا يَوْمٌ وَاحِدٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَرُوِيَ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِي فَضْلٌ وَالثَّالِثُ سُمْعَةٌ، وَأَجَابَ الْحَسَنُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَلَمْ يُجِبْ فِي الثَّالِثِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلُهُ. وَأَوْلَمَ ابْنُ سِيرِينَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلْيُولِمْ مِنْ يَوْمِ بِنَائِهِ إِلَى مِثْلِهِ، يُرِيدُ إِذَا قَصَدَ إِشْهَارَ النِّكَاحِ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى النَّاسِ لَا السُّمْعَةَ وَالْمُبَاهَاةَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>