وَهُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَهَا السُّكْنَى عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ ١) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ: " «لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى» ". وَلِنَقْلِهَا إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَقَالَ عُمَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَسْكِنُوهُنَّ) (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ ٦) فَتَجِبُ النَّفَقَةُ قِيَاسًا عَلَى السُّكْنَى، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ ١) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَوْلُهُ: " سُنَّةَ نَبِيِّنَا " غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ النَّفَقَةُ لِأُولَاتِ الْحَمْلِ، وَبِحَسَبِ الْحَدِيثِ لَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: (أَسْكِنُوهُنَّ) الْآيَةَ، فَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَالنَّفَقَةُ، انْتَهَى. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، بِأَنَّ حَبْسَهَا صِيَانَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلزَّوْجِ ; إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَكَانَ لَهُ إِسْقَاطُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَنِ الْقِيَاسِ عَلَى السُّكْنَى بِالْفَرْقِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ سَبَبُهَا التَّمْكِينُ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَالسُّكْنَى سَبَبُهَا الْحَبْسُ عَنِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا نَقَلَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ لِأَنَّ مَكَانَهَا كَانَ وَحْشًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ فَاطِمَةَ نَفْسِهَا: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» ". وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لِأَنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا بِلِسَانِهَا، فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ سَقَطَتِ السُّكْنَى لَمْ يَقْصُرْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى بَيْتٍ مُعَيَّنٍ، قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا خَافَتْ عَوْرَةَ الْمَنْزِلِ، وَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَنْتَقِلُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ رَغِبَ الصَّحَابَةُ فِي زَوَاجِهَا وَاخْتَارَهُ الْمُصْطَفَى لِحِبِّهِ وَابْنِ حِبِّهِ ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَرْغَبُوا فِيهَا وَلَا اخْتَارَهَا لِأُسَامَةَ، حَسْبُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَوْلُهُ: تِلْكَ امْرَأَةٌ لَسِنَةٌ أَيْ سَيِّئَةُ اللِّسَانِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ سَلِطَةً وَأَنَّهَا اسْتَطَالَتْ بِلِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ، وَأَنَّ هَذَا الْخَشِنَ مِنَ الْقَوْلِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا قَالَ، وَقَدِ اسْتَطَالَ عَلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَهُوَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بِالظَّنِّ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ وَافَقَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، بَلْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَخْرَجَكِ هَذَا اللِّسَانُ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ الْمُطَّلَقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ، أَيْ عَدَمَ السُّكْنَى، قَالَ الْحَافِظُ: أَخَذَ الْبُخَارِيُّ التَّرْجَمَةَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute