للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خُطَّابٌ مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» ) بِفَوْقِيَّةٍ فَقَافٍ، مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ، أَيْ أَنَّهُ كَثِيرُ الْأَسْفَارِ أَوْ كَثِيرُ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٍ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ» ". وَفِي أُخْرَى لَهُ: " «وَأَبُو الْجَهْمِ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ أَوْ يَضْرِبُ النِّسَاءَ» " أَوْ نَحْوِ هَذَا، وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِهِنَّ لِإِخْبَارِهِ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يَنْهَهُ، فَلَعَلَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُهُنَّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَضَرْبُهُنَّ الْيَسِيرُ لِلْأَدَبِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذَمَّهُ بِكَثْرَتِهِ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ خُلُقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي ضَرْبِهِنَّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لِلنُّشُوزِ وَمَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِفْرَاطَ وَمُجَاوَزَةَ الْحَدِّ فِي أَدَبِهِنَّ مَمْنُوعٌ وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ مَكْرُوهَةٌ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ; إِذْ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْمُبَالِغَةِ فِي الْكَلَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَذِبًا وَلَا تُوجِبُ الْحِنْثَ فِي الْأَيْمَانِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَثُرَ حَمْلُهُ لِلْعَصَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظَ مَجَازًا، قَالَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ.

( «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، فَقِيرٌ (لَا مَالَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ ". بِالْفَوْقِيَّةِ وَالرَّاءِ، أَيْ فَقِيرٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ تَرِبٌ أَيْ فَقِيرٌ، وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْمَالِ لَا سِيَّمَا فِي الزَّوْجِ ; لِأَنَّ بِهِ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَجَوَازِ عُيُوبِ الرَّجُلِ لِضَرُورَةِ الِاسْتِشَارَةِ. ( «انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» ) الْحِبُّ ابْنُ الْحِبِّ، الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ، الْخَلِيقُ كُلُّ مِنْهُمَا لِلْإِمَارَةِ بِالنَّصِّ النَّبَوِيِّ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ إِشَارَةُ الْمُسْتَشَارِ بِغَيْرِ مَنِ اسْتُشِيرَ فِيهِ، قِيلَ: وَجَوَازُ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُرَاكَنَةَ وَنِكَاحَ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ ; لِأَنَّ أُسَامَةَ مَوْلًى وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ. اهـ. وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ " «بِغَيْرِ مَنِ اسْتُشِيرَ فِيهِ» " رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ، فَقَالَ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنَّ أُسَامَةَ» . (قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ) لِشِدَّةِ سَوَادِهِ وَلِأَنَّهُ مَوْلًى، وَلِمُسْلِمٍ: فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا أُسَامَةُ أُسَامَةُ! ! (ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) وَلِمُسْلِمٍ: فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ» ". (فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ حَصَلَ لِي مِنْهُ مَا قَرَّتْ عَيْنِي بِهِ وَمَا يُغْبَطُ فِيهِ وَيُتَمَنَّى ; لِقَبُولِي نَصِيحَةَ سَيِّدِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَانْقِيَادِي لِإِشَارَتِهِ فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ حَمِيدَةً. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «فَتَزَوَّجْتُهُ فَشَرَّفَنِي اللَّهُ بِابْنِ زَيْدٍ، وَكَرَّمَنِي اللَّهُ بِابْنِ زَيْدٍ» ". وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَائِنَ الْحَائِلَ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ ٦) فَمَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يَكُنَّ حَامِلَاتٍ فَلَا نَفَقَةَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>