مَنْ تَهَوَّدَ وَتَنَصَّرَ فَذَاكَ، وَإِنْ كُنَّ وَثَنِيَّاتٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهُنَّ بِالْمِلْكِ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٢١) وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُصِيبَ الْجَارِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ أَمْرَهَا فَغَلَسَتْ ثِيَابَهَا وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَلَّمَهَا الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا. اهـ بِمَعْنَاهُ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ. وَلَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ: " وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ " إِذْ لَا يُقَالُ هَذَا فِيمَنْ أَسْلَمَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ السَّابِي، بَلْ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَيَجُوزُ فِدَاؤُهُ وَبَيْعُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ، وَبِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ ثُمَّ نُسِخَ، وَلَا يَصِحُّ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى دَلِيلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ وَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ، وَلَوْ بَقِيَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْوَطْءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَبَقِيَ أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَمْرَيْنِ، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ بِرَفْعِ الْإِشْكَالِ عَنْهُمَا مَعًا، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي مَنْعِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْفِدَاءِ لِلْحَمْلِ، وَالْفِدَاءُ بَيْعٌ وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَهِيَ حَامِلُ خَوْفَ رِقِّ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ، وَفِيهِ اسْتِرْقَاقُ جَمِيعِ الْعَرَبِ كَقُرَيْشٍ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ وَهْبٍ: لَا يَجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقُّ لِشَرَفِهِمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا قُتِلُوا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِتْقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَيَاهُ جَمِيعًا عَنْ شَيْخِهِمَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: " «أَصَبْنَا سَبَايَا وَكُنَّا نَعْزِلُ، ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَنَا: أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ، ثَلَاثًا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ جُوَيْرِيَةَ. اهـ. لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ عَنْ مَالِكٍ فَهُوَ عِنْدَهُ بِالْإِسْنَادَيْنِ. وَقَدْ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْبَيْعِ، وَيُونُسُ عِنْدَهُ فِي الْقَدَرِ، وَعَقِيلٌ عِنْدَهُ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute