فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى) نَعْتَقِدُ (سَالِمًا وَلَدًا) بِالتَّبَنِّي (وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فُضُلٌ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَيْ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ، وَقِيلَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا إِزَارَ تَحْتَهُ، وَقِيلَ مُتَوَشِّحَةً بِثَوْبٍ عَلَى عَاتِقِهَا خَالَفَتْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَصَحُّهَا الثَّانِي لِأَنَّ كَشْفَ الْحُرَّةِ الصَّدْرَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَحْرَمٍ وَلَا غَيْرِهِ (وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ) فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا عَلِمْتَ (فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ؟) وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ. وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقِلَ مَا عَقَلُوهُ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ سَهْلَةَ ذَكَرَتِ السُّؤَالَيْنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتَصَرَ كُلُّ رَاوٍ عَلَى وَاحِدٍ.
(فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ (عَشْرَ رَضَعَاتٍ) ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ: خَمْسَ رَضَعَاتٍ (فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا) زَادَ فِي مُسْلِمٍ: فَقَالَتْ: «كَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبُ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ: صِفَةُ رَضَاعِ الْكَبِيرِ أَنْ يُحْلَبَ لَهُ اللَّبَنُ وَيُسْقَاهُ، فَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا فَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ سَهْلَةَ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَلَا الْتَقَتْ بَشْرَتَاهُمَا ; إِذْ لَا يَجُوزُ رُؤْيَةُ الثَّدْيِ وَلَا مَسُّهُ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ، وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا لِأَنَّهُ تَبَسَّمَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتِ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْحَلْبِ، وَهُوَ مَوْضِعُ بَيَانٍ، وَمُطْلَقُ الرَّضَاعِ يَقْتَضِي مَصَّ الثَّدْيِ فَكَأَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي نَفْسِهِمَا أَنَّهُ ابْنُهَا وَهِيَ أُمُّهُ، فَهُوَ خَاصٌّ بِهِمَا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَأَنَّهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقِفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ سَهْلَةُ تَحْلِبُ فِي مُسْعُطٍ - إِنَاءٍ قَدْرَ رَضْعَتِهِ - فَيَشْرَبُهُ سَالِمٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَهِيَ حَاسِرٌ رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَهْلَةَ.
(وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنَ الرَّضَاعَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute