لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْضِعَيْهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» (فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ) الْأَجَانِبِ (فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ) بِضَمِّ الْكَافِ مِنَ الْكَلْثَمَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ (ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَا عَلِمْتُ مَنْ أَخَذَ بِهِ عَامًّا إِلَّا عَائِشَةَ، وَلَوْ أَخَذَ بِهِ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ آخِذٌ لَمْ أَعِبْهُ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إِلَى الْبَاجِيِّ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ، يَعْنِي وَالْخِلَافُ إِنَّمَا كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ انْقَطَعَ، الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَامًّا نَظَرٌ، فَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ نَصٌّ فِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِهِ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ: مَنْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ اهـ، وَلَا نَظَرَ، فَمُرَادُ ابْنِ الْمَوَّازِ بِالْعُمُومِ فِي كُلِّ النَّاسِ لَا خَاصٌّ بِسَهْلَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ذَهَبَ إِلَى قَوْلِهَا أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ عَطَاءٌ وَاللَّيْثُ لِحَدِيثِ سَهْلَةَ هَذَا، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّهُ لَقَوِيٌّ وَلَوْ كَانَ الْمُوَطَّأُ بِسَالِمٍ لَقَالَ لَهَا: وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكِ كَمَا قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ فِي الْجَذَعَةِ اهـ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَرَوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ: أَكْرَهُ رَضَاعَ الْكَبِيرِ أَنْ أُحِلَّ مِنْهُ شَيْئًا. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ «امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى اللَّيْثِ فَقَالَتْ: أُرِيدُ الْحَجَّ وَلَيْسَ لِي مَحْرَمٌ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ تُرْضِعُكِ فَيَكُونُ زَوْجُهَا أَبًا لَكِ فَتَحُجِّينَ مَعَهُ» ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا وَفَتْوَاهَا وَعَمَلُهَا بِهِ (وَأَبَى) امْتَنَعَ (سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ (وَقُلْنَ) لِعَائِشَةَ (لَا وَاللَّهِ مَا نَرَى) نَعْتَقِدُ (الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلَّا رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ) لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَمْ تَأْتِ فِي غَيْرِهِ، وَاحْتَفَّتْ بِهَا قَرِينَةُ التَّبَنِّي وَصِفَاتٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَهَا أَنْ تُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا عَدَاهُ مَعَ مَا لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ شِدَّةِ الْحُكْمِ فِي الْحِجَابِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ، كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.
(لَا وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ، فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ) فَأَجَازَتْهُ عَائِشَةُ وَمَنَعَهُ بَاقِيهُنَّ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute