للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي أُنَاسٍ " (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَقَدْ هَمَمْتُ) أَيْ قَصَدْتُ (أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْهَاءِ اسْمٌ مِنَ الْغَيْلِ بِفَتْحِهَا وَالْغِيَالِ بِكَسْرِهَا، وَالْغَيْلَةُ بِالْفَتْحِ وَالْهَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَقِيلَ لَا تُفْتَحُ الْغَيْنُ إِلَّا مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ السَّرَّاجِ الْوَجْهَيْنِ فِي غِيلَةِ الرَّضَاعِ، أَمَّا غِيلَةُ الْقَتْلِ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنِ الْغِيَالِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، قَالَهُ عِيَاضٌ (حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ) بِضَمِّ الرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى رُومِ بْنِ عِيصُو بْنُ إِسْحَاقَ (وَفَارِسَ) لَقَبُ قَبِيلَةٍ لَيْسَ بِأَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَإِنَّمَا هُمْ أَخْلَاطٌ مِنْ تَغْلِبَ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا الِاسْمِ (يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يَغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا، يَعْنِي لَوْ كَانَ الْجِمَاعُ حَالَ الرَّضَاعِ أَوِ الْإِرْضَاعِ حَالَ الْحَمْلِ مُضِرًّا لَضَرَّ أَوْلَادَ الرُّومِ وَفَارِسَ ; لِأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْأَطِبَّاءِ فِيهِمْ، فَلَوْ كَانَ مُضِرًّا لَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، فَحِينَئِذٍ لَا أَنْهَى عَنْهُ. قَالَ عِيَاضٌ: فَفِيهِ جَوَازُهُ إِذْ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لِأَنَّهُ رَأْيُ الْجُمْهُورِ وَإِنْ أَضَرَّ بِالْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُكْثِرُ اللَّبَنَ وَقَدْ يُغَيِّرُهُ، وَالْأَطِبَّاءُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ إِنَّهُ دَاءٌ وَالْعَرَبُ تَتَّقِيهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْهُ حَمْلٌ وَلَا يُعْرَفُ فَيَرْجِعُ إِلَى إِرْضَاعِ الْحَامِلِ الْمُتَّفِقِ عَلَى مَضَرَّتِهِ، وَأُخِذَ الْجَوَازُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ» " وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّ الْغِيلَةَ إِنَّمَا تَضُرُّ فِي النَّادِرِ فَلِذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهَا رِفْقًا بِالنَّاسِ لِلْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِيهِ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَوَجْهُ الِاجْتِهَادِ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِرَأْيٍ أَوِ اسْتِفَاضَةٍ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَارِسَ وَالرُّومَ، قَاسَ الْعَرَبَ عَلَيْهِمْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا خَرَّجَ عَنْ جُدَامَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ) أَنْزَلَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَقَدْ تُنْزِلُ الْمَرْأَةُ فَيُضَرُّ اللَّبَنُ، وَقِيلَ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَيْسَ بِغِيلَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفْسِيرُ مَالِكٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ إِرْضَاعُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّهَا إِذَا حَمَلَتْ فَسَدَ اللَّبَنُ فَيُفْسِدُ جِسْمَ الصَّبِيِّ وَيَضْعُفُ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْلِهِ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: " «إِنَّ الْغِيلَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>