بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ، يُقَالُ هَاءَ دِرْهَمًا أَيْ خُذْ دِرْهَمًا فَنُصِبَ دِرْهَمًا بِاسْمِ الْفِعْلِ كَمَا يُنْصَبُ بِالْفِعْلِ، وَبِالْقَصْرِ يَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ وَأَنْكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: الصَّوَابُ الْمَدُّ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ نَحْوُ هَاتِ وَسُكُونُهَا نَحْوُ خَفْ وَأَصْلُهَا هَاكَ بِالْكَافِ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَصْلُهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ حَرْفُ خِطَابٍ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَحَقُّهَا أَنْ لَا تَقَعَ بَعْدَ إِلَّا كَمَا لَا يَقَعُ بَعْدَهَا خُذْ، فَإِذَا وَقَعَ قُدِّرَ قَوْلٌ قَبْلَهُ يَكُونُ بِهِ مَحْكِيًّا أَيِ إِلَّا مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَاءَ وَهَاءَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِذَا مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُقَدَّرٌ يَعْنِي بَيْعَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ رِبًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إِلَّا حَالَ الْحُضُورِ وَالتَّقَابُضِ فَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَاءَ وَهَاءَ لِأَنَّهُ لَازَمَهُ وَقَالَ الْأَبِيُّ: مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ الْقَمْحُ وَهِيَ الْحِنْطَةُ أَيْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (رِبًا إِلَّا) مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (هَاءَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَهَاءَ) مِنَ الْآخَرِ أَيْ خُذْ.
(وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ) أَيْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (رِبًا) بِالتَّنْوِينِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ (إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
(وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ) بِفَتْحِ الشِّينِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُكْسَرُ، قَالَ ابْنُ مَكِّيٍّ: كُلُّ فَعِيلٍ وَسَطُهُ حَرْفُ حَلْقٍ مَكْسُورٍ يَجُوزُ كَسْرُ مَا قَبْلَهُ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ، قَالَ: وَزَعَمَ اللَّيْثُ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُهُ حَرْفَ حَلْقٍ نَحْوَ كَبِيرٍ وَجَلِيلٍ وَكَرِيمٍ أَيْ بَيْعُ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ (رِبًا إِلَّا) مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (هَاءَ وَهَاءَ) أَيْ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ خُذْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَمُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» ، وَمِثْلُهُ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فَفِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ النَّسَاءَ يَمْتَنِعُ فِي ذَهَبٍ بِوَرِقٍ وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا إِجْمَاعًا وَنَصًّا، فَأَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ فِي ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ بِوَرِقٍ لِحُرْمَةِ التَّفَاضُلِ فِيهِمَا إِجْمَاعًا وَنَصًّا، أَيْ فَلَيْسَ حَدِيثُ عُمَرَ بِقَاصِرٍ عَنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ فَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الصَّرْفِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَلَوْ كَانَا بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَفَرَّقَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَحْمَلٌ قَوْلِ عُمَرَ عِنْدَهُ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ لَا عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَاءَ وَهَاءَ ".
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ وَانْتَقَلَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ وَجَعَلُوهُ تَفْسِيرًا لِمَا رَوَاهُ وَبِقَوْلِهِ: وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ، قَالُوا: مِنْهُ أَنَّ الْمُرَاعَى الِافْتِرَاقُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.
قَالَ الْأَبِيُّ: الْمُنَاجَزَةُ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ عَقِبَ الْعَقْدِ وَهِيَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الصَّرْفِ لَا فِي عَقْدِهِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْجِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute