خَالَفَهَا، فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَأْخُذْ بِالْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ ; لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُسْقِطُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ إِذْ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلِاسْتِقَالَةِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَجْوِبَةِ، وَقَوْلُ عِيَاضٍ: الزِّيَادَةُ قَوِيَّةٌ فِي وُجُوبِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ رَدَّهُ الْأَبِيُّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ قِيَامُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَصَدَ أَخْذَ الْخِيَارِ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً فِي إِثْبَاتِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ الْقِيَامُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ طَلَبِ الْإِقَالَةِ فِي الْمَجْلِسِ، فَالزِّيَادَةُ تُسْقِطُ خِيَارَهُ إِذْ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا قَالَ بِعْتُكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلِ الْمُشْتَرِي: قَدْ قَبِلْتُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ سِجْنٍ كَيْفَ يَفْتَرِقَانِ.
وَقَدْ أَكْثَرَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ أَنْ يَتَوَارَى أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ افْتِرَاقُهُمَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ: كَانَ إِذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيُجِيبَ لَهُ.
وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: إِذَا بَاعَ انْصَرَفَ لِيَجِبَ الْبَيْعُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِعْلُهُ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَفْعَلُ انْتَهَى.
وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بِحَسَبِ فَهْمِهِ مِنَ اللَّفْظِ لَا مِنْ نَفْسِ الْمُصْطَفَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَأَيُّوبُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ، وَتَابَعَ نَافِعًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute