للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ انْتَهَى.

وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا وَلَا يَكُونُ غِنَاهُ سَبَبًا لِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَأَصْلُ الْمَطْلِ الْمَدُّ تَقُولُ: مَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ أَمْطُلُهَا مَطْلًا إِذَا مَدَدْتَهَا لِتَطُولَ، قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمَطْلُ الْمُدَافَعَةُ.

(ظُلْمٌ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، وَالْمَاطِلُ وَضَعَ الْمَنْعَ مَوْضِعَ الْقَضَاءِ اهـ.

وَخَرَجَ بِالْغَنِيِّ الْمُعْسِرُ فَلَيْسَ بِظُلْمٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ مَا يَجِبُ مِنْ إِنْظَارِهِ، قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمَاطِلِ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تُرَدُّ.

وَفِي الْإِكْمَالِ: اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ جُرْحَةٌ أَوْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً.

وَفِي الْفَتْحِ: لَفْظُ (مَطْلُ) يُشْعِرُ بِتَقَدُّمِ الطَّلَبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْغَنِيَّ لَوْ أَخَّرَ الدَّفْعَ مَعَ عَدَمِ طَلَبِ صَاحِبِهِ الْحَقَّ لَهُ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَضِيَّةَ كَوْنِهِ ظُلْمًا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اعْتِبَارُ تَكْرَارِهِ، وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ بَعْدَ طَلَبِهِ وَانْتِفَاءَ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْرَارُ، وَفِيهِ الزَّجْرُ عَنِ الْمَطْلِ.

(وَإِذَا أُتْبِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ رِوَايَةً وَلُغَةً، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعِيَاضٌ، وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ الْجَمِيعِ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَالصَّوَابُ التَّخْفِيفُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: شَدَّدَهَا بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْوَجْهُ إِسْكَانُهَا يُقَالُ: تَبِعْتُ فُلَانًا بِحَقِّي أَتْبَعُهُ تَبَاعَةً بِالْفَتْحِ إِذَا طَلَبْتَهُ، وَأَنَا لَهُ تَبِيعٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْمَعْنَى إِذَا أُحِيلَ (أَحَدُكُمْ) فَضَمِنَ مَعْنَى أُحِيلَ فَعُدِّيَ بِعَلَى فِي قَوْلِهِ (عَلَى مَلِيءٍ) بِالْهَمْزِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِمْلَاءِ، يُقَالُ مَلُؤَ الرَّجُلُ بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ: صَارَ مَلِيئًا، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَلِيٌّ كَغَنِيٍّ لَفْظًا وَمَعْنًى، قَالَ الْحَافِظُ: فَاقْتَضَى أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ إِنَّهُ فِي الْأَصْلِ بِالْهَمْزِ وَمَنْ رَوَاهُ بِتَرْكِهَا فَقَدْ سَهَّلَهُ، انْتَهَى.

وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْوَجْهَيْنِ.

(فَلْيَتْبَعْ) بِإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ رِوَايَةً وَلُغَةً، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِشَدِّهَا، وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ: «إِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ يَعْلَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ كَمَا تَرَى، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا بِالْمَعْنَى، فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِلَفْظِ الْجَادَّةِ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «إِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتَّبِعْهُ» ، وَهَذِهِ بِشَدِّ التَّاءِ خِلَافٌ، وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَقِيلَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَإِرْشَادٍ وَهُوَ شَاذٌّ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الصَّارِفَ لَهُ عَنْهُ إِلَى النَّدْبِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُحِيلِ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ عَنْهُ، وَتَرْكُ تَكْلِيفِهِ التَّحْصِيلَ وَالْإِحْسَانَ مُسْتَحَبٌّ، وَبِأَنَّ الصَّارِفَ كَوْنُهُ أَمْرًا بَعْدَ نَهْيٍ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>