بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَيَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ عَلَى الْمُرَجَّحِ فِي الْأُصُولِ، وَإِذَا أُتْبِعَ بِالْوَاوِ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَلَا تَعَلُّقَ لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى، وَلِلتِّنِّيسِيِّ وَغَيْرِهِ: فَإِذَا أُتْبِعَ بِالْفَاءِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ ظُلْمٌ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرِ الْمَطْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِيءَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ إِذَا امْتَنَعَ، بَلْ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَيُوَفِّيهِ، فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ فِي الْحَقِّ، قَالَ: وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ الْعِلَّةُ عَدَمُ وَفَاءِ الْحَقِّ لَا الظُّلْمُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ يُدَّعَى أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَقَاءَ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَذْفٍ بِهِ يَحْصُلُ الِارْتِبَاطُ فَيُقَدَّرُ فِي الْأَوَّلِ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْمُسْلِمُ فِي الظَّاهِرِ يَجْتَنِبُهُ فَمَنْ أُتْبِعَ. . . . . إِلَخْ.
وَفِي الثَّانِي: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالظُّلْمُ تُزِيلُهُ الْحُكَّامُ وَلَا تُقِرُّهُ، فَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ وَلَا يَخْشَى مِنَ الْمَطْلِ انْتَهَى.
وَالظُّلْمُ حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] (سُورَةُ لُقْمَانَ: الْآيَةَ ١٣) .
كُنْ كَيْفَ شِئْتَ فَإِنَّ اللَّهَ ذُو كَرَمٍ لَا تَجْزَعَنَّ فَمَا فِي ذَاكَ مِنْ بَاسِ
إِلَّا اثْنَتَانِ فَلَا تَقْرَبْهُمَا أَبَدًا الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالْإِضْرَارُ لِلنَّاسِ
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: ١١١] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ ١١١) أَيْ خَابَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِحَسَبَ مَا ارْتَكَبَ مِنَ الظُّلْمِ.
وَقَالَ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: ١٩] (سُورَةُ الْفُرْقَانِ: الْآيَةَ ١٩) وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَيْكُمْ فَلَا تَظَالَمُوا» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» ، أَيْ مَطْلُ الْغَنِيِّ يُبِيحُ التَّظَلُّمَ مِنْهُ بِأَنْ يُقَالَ: ظَلَمَنِي وَمَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَنَحْوِهِمَا إِذَا لَدَّ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ السِّتَّةِ.