يَكْفُوهُ الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «أُقِرُّكُمْ فِيهَا مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» ) عَزَّ وَجَلَّ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْمُسَاقَاةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَازِمًا عَلَى إِخْرَاجِ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَمَحَبَّتِهِ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَتَقَدَّمُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِوَحْيٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ مُنْتَظِرًا لِلْقَضَاءِ فِيهِمْ إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَتَاهُ الْوَحْيُ فَقَالَ: لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ ذَلِكَ فَحَصَ عَنْهُ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبْتُ فَأَجْلَاهُمْ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُ قَضَاءَ اللَّهِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَيَجُوزُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ؛ إِذْ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ مَا بِيَدِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ بَيَّنَ لَهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْمُسَاقَاةُ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ بَعْدَ وَصْفِ الْعَمَلِ وَالِاتِّفَاقِ مِنْهُ عَلَى مَعْلُومٍ بِعَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
قَالَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ: لَيْسَ الْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُؤَبَّدَةً، وَأَنَّ لَنَا إِخْرَاجَكُمْ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَدُّ الْأَجَلِ فَلَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي فَلَمْ يَنْقُلْهُ اهـ.
وَفِيهِ بُعْدٌ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ.
(عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ) بِمُثَلَّثَةٍ (بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) نِصْفَيْنِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» " قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِلْإِبْهَامِ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ، فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَجُوزُ مُبْهَمَةً، وَالْجُزْءُ فِيهَا مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
(قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ الشَّاعِرَ أَحَدَ السَّابِقِينَ، شَهِدَ بَدْرًا وَاسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ، وَكَانَ ثَالِثَ الْأُمَرَاءِ بِهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِيهِ أَنْ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَهُ عَامًا وَاحِدًا وَقُتِلَ بَعْدَهُ بِأَشْهُرٍ كَمَا رَأَيْتَ.
(فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ) وَتَضْمَنُونَ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي) وَأَضْمَنُ نَصِيبَكُمْ (فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ) وَعَنْ جَابِرٍ: خَرَصَ ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ، وَلَمَّا خَيَّرَهُمْ أَخَذُوا الثَّمَرَةَ وَأَدَّوْا عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ.
قَالَ ابْنُ مُزَيِّنٍ: سَأَلْتُ عِيسَى عَنْ فِعْلِ ابْنِ رَوَاحَةَ أَيَجُوزُ لِلْمُتَسَاقِيَيْنِ أَوِ الشَّرِيكَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا يَصْلُحُ قَسْمُهُ إِلَّا كَيْلًا؛ إِلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ حَاجَتُهُمَا إِلَيْهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ بِالْخَرْصِ، فَتَأَوَّلَ خَرْصَ ابْنِ رَوَاحَةَ لِلْقِسْمَةِ خَاصَّةً.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَصَهَا بِتَمْيِيزِ حَقِّ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا غَيْرُ مَصْرِفِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِيهَا الْإِمَامُ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، فَيَسْلَمُ مِمَّا خَافَهُ عِيسَى وَأَنْكَرَهُ.
وَقَوْلُهُ: إِنْ شِئْتُمْ. . . . . إِلَخْ، حَمَلَهُ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْخَرْصِ لِيَضْمَنُوا حِصَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِ الْعُرْيَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ خَرْصُ الزَّكَاةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَنْ