أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ أَحْمَدُ: رِوَايَةُ مَعْمَرٍ حَسَنَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: رِوَايَةُ مَالِكٍ أَحَبُّ إِلَيَّ وَأَصَحُّ، يَعْنِي مُرْسَلًا عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَأَسْنَدَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا فِي التَّمْهِيدِ ثُمَّ قَالَ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَكْثَرَ النَّاسِ بَحْثًا عَنْ هَذَا الشَّأْنِ، فَرُبَّمَا احْتَجَّ لَهُ فِي الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنْ أَحَدِهِمْ بِقَدْرِ نَشَاطِهِ حِينَ تَحْدِيثِهِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ كَمَا صَنَعَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا كَسُلَ فَأَرْسَلَ، وَرُبَّمَا انْشَرَحَ فَوَصَلَ، فَلِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا اهـ.
وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي مَالِكٍ وَرِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشُّفْعَةِ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ (فِيمَا) أَيْ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ مُشَاعٍ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ (لَمْ يُقْسَمْ) بِالْفِعْلِ (بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ) جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ هُنَا مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الْأَمْلَاكُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ، فَتَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَنْعِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَبِمَنْعِ دُخُولِهِ فِيهِ، زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً وَمُثْقَلَةً أَيْ بُيِّنَتْ مَصَارِفُهَا وَشَوَارِعُهَا (بَيْنَهُمْ) أَيِ الشُّرَكَاءِ (فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا مَحِلَّ لَهَا بَعْدَ تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَتْ غَيْرَ مُشَاعَةٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمُشَاعِ، وَصَدْرُهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِهَا فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَقَارِ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا، وَالْمُرَادُ الْعَقَارُ الْمُحْتَمِلُ لِلْقِسْمَةِ، فَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ بِقَسْمِهِ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهُ.
وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ بِالشُّفْعَةِ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ أَمْ لَا.
وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» " وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، إِلَّا أَنَّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَشَذَّ عَطَاءٌ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَقَالَ: فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الثَّوْبِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْعَقَارِ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: " «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» " وَالرَّبْعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ تَأْنِيثُ الرَّبْعِ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْحَائِطُ وَالْبُسْتَانُ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ الشُّفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ، فَمَا قُسِمَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَقَدْ صَارَ جَارًا، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورَ، وَأَثْبَتَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لِلْجَارِ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ لَكَانَ قَوِيًّا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ ضَمَّ إِلَيْهِ قَوْلَهُ " وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ " فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِهَا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُرَادُ صَرْفُ الطُّرُقِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْجَارُ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَيِّ التَّأْوِيلَيْنِ أَظْهَرُ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: " «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute