للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِتَحْوِيزِهِ وَصِلَتِهِ وَهُوَ أَوْلَى، إِذْ حَمْلُهُ عَلَى الشُّفْعَةِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ مِنَ الشَّرِيكِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَالصَّقَبُ بِفَتْحَتَيْنِ وَصَادٍ أَوْ سِينٍ، أَيْ بِسَبَبِ قُرْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: " «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ» " وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ أَحَقُّ هَلْ بِالشُّفْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الرِّفْقِ وَالْمَعْرُوفِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ وَالْمَخَالِطَ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى يُخَاطِبُ زَوْجَتَهُ:

أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقُ.

فَسَمَّاهَا جَارَةً لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ، وَأَقْوَى حُجَجِهِمْ حَدِيثُ أَصْحَابِ السُّنَنِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يَنْتَظِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» ، فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِمَا يَكُونُ أَحَقَّ، وَنَبَّهَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الطَّرِيقِ، لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَحَادِيثُ الشُّفْعَةِ لَيْسَ فِيهَا مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فِي نَفْيِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بِخِلَافِ تِلْكَ، فَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ. . . . إِلَخْ مُدْرَجٌ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَلَامٌ تَامٌّ، وَالثَّانِيَ مُسْتَقِلٌّ، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مَرْفُوعًا لَقِيلَ: وَقَالَ وَإِذَا وَقَعَتْ. . . . . إِلَخْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِدْرَاجَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ الْعَقْلِيِّ وَالتَّشَهِّي، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِدْرَاجُ بِدَلِيلٍ كَمَجِيءِ رِوَايَةٍ مَبْنِيَّةٍ لِلْقَدْرِ الْمُدْرَجِ، أَوِ اسْتِحَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ، وَقَدْ قَوَّى حَدِيثَنَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ (كَمَا قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا) وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فَالْحُجَّةُ فِيمَا عَمِلَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>