صَاحِبِهِ فَهَذَا مَا) أَيْ شَيْءٌ (لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ دُونَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَا يُظَنُّ بِمَالِكٍ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ مَنْ مَضَى أَنَّهُ جَهِلَ هَذَا، وَإِنَّمَا أَتَى بِمَا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ خَاصَّةً أَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِالنُّكُولِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ، وَمَالِكٌ كَالْحِجَازِيِّينَ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ حَتَّى تُرَدَّ الْيَمِينُ وَيَحْلِفَ الطَّالِبُ، وَإِنْ لَمْ يُدْعَ الْمَطْلُوبُ إِلَى يَمِينِهِ لِحَدِيثِ الْقَسَامَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ فِيهَا الْيَمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ; إِذْ أَبَى الْأَنْصَارُ مِنْهَا. اهـ. وَبِهِ سَقَطَ قَوْلُ فَتْحِ الْبَارِي: إِنَّ احْتِجَاجَ مَالِكٍ هَذَا مُتَعَقَّبٌ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِرَدِّ الْيَمِينِ.
(فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا؟) قِيلَ: أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: " «كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي شَيْءٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، فَقُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي» ". الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَرَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَزَادَ فِيهَا: لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، فَفِي الْحَصْرِ دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَاهِدَاكَ " بَيِّنَتُكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَيَمِينَ الطَّالِبِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّاهِدَيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ، فَالْمَعْنَى شَاهِدَاكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، وَلَوْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ رَدُّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَرْ لَلَزِمَ رَدُّ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ، فَوَضَحَ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ وَثَبَتَ الْخَبَرُ بِاعْتِبَارِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلِ الْمُرَادُ هُمَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا. (أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ، فَإِذَا أَقَرَّ) اعْتَرَفَ (بِهَذَا) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهُ (فَلْيُقْرِرْ) بِفَكِّ الْإِدْغَامِ، وَفِي نُسْخَةٍ: فَلْيُقِرَّ، بِالْإِدْغَامِ (بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ) لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ النَّصِّ عَلَى شَيْءٍ نَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ، وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا التَّعَرُّضُ لِعَدَمِهِ، وَالْحَدِيثُ قَدْ تَضَمَّنَ زِيَادَةً مُسْتَقِلَّةً عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ بِحُكْمٍ مُسْتَقِلٍّ، وَلَمْ يُغَيِّرْ حُكْمَ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، بَلْ زَادَ عَلَيْهِمَا حُكْمًا آخَرَ، وَيَلْزَمُ الْمُخَالِفَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ حُكْمًا بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا قِيَاسٍ ; لِأَنَّهُ كُلُّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ زِيَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ فَكَذَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ. (وَإِنَّهُ لِيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ) فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمُخَالِفِ (مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ) أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute