بِقَلِيلٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ أَوْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَقَدْ جَاوَزَتِ الْمِائَةَ وَلَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يُنْكَرْ لَهَا عَقْلٌ، وَهِيَ جَدَّةُ هِشَامٍ وَفَاطِمَةَ لِأَبَوَيْهِمَا
(أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْحَافِظُ: وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَضَعَّفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ لَا عِلَّةَ لَهَا، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُبْهِمَ الرَّاوِي اسْمَ نَفْسِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ الرُّقْيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ انْتَهَى.
وَظَهَرَ لِي أَنَّ مُرَادَ النَّوَوِيِّ بِالضَّعْفِ الشُّذُوذُ وَهِيَ مُخَالَفَةُ سُفْيَانَ لِلْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ فَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ فَقَالَ: إِنَّ أَسْمَاءً قَالَتْ سَأَلْتُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِهِ: الصَّحِيحُ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ فَاعِلَ سَأَلَتْ سَقَطَ مِنْ رِوَايَتِهِ فَأَوْهَمَ أَنَّهَا السَّائِلَةُ، وَالشَّاذُّ مَا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَةُ الْمَلَأَ أَوْ مَا انْفَرَدَ بِهِ الرَّاوِي.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ تَعْنِيَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ نَفْسَهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْهُ وَسَأَلَ غَيْرَهَا أَيْضًا فَتَرْجِعُ كُلُّ رِوَايَةٍ إِلَى سُؤَالٍ، قَالَ: وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ يَعْنِي بِالْإِبْهَامِ (فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ) اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّلَبِ أَيْ أَخْبَرْنِي وَحِكْمَةُ الْعُدُولِ سُلُوكُ الْأَدَبِ وَيَجِبُ لِهَذِهِ التَّاءِ إِذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِهَا الْكَافُ مَا يَجِبُ لَهَا مَعَ سَائِرِ الْأَفْعَالِ مِنْ تَذْكِيرٍ وَتَأْنِيثٍ وَتَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ (إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا) مَفْعُولٌ (الدَّمُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ (مِنَ الْحَيْضَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ (كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ) » بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيِ الْحَيْضِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الْكَسْرُ وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْحَيْضِ قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ.
(فَلْتَقْرُصْهُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا رَوَاهُ يَحْيَى وَالْأَكْثَرُ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَمَعْنَاهُ تَأْخُذُ الْمَاءَ وَتَغْمِزُهُ بِأُصْبُعِهَا لِلْغَسْلِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَشْهَرُ وَأَنَّهُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَقْرُصَهُ بِغَيْرِ مَاءٍ إِمَّا مَعَ الْيُبُوسَةِ أَوْ بِبَلٍّ قَلِيلٍ لَا يُسَمَّى غَسْلًا وَلَا نَضْحًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ قَوْلَهُ الْآتِي بِالْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ: حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ انْضَحِيهِ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ.
وَالثَّانِي قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَعَيِّنِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ تُبَيِّنُ بَعْضُهَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute