الشُّرَّاحِ.
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي بِالْفَتْحِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَتِنَا، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الضَّمَّ وَفَتْحَ الْقَافِ وَتَشْدِيدَ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ تُدَلِّكَ مَوْضِعَ الدَّمِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجَ مَا تَشَرَّبَهُ الثَّوْبُ مِنْهُ انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ تَقْطَعُهُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مَعَ الْمَاءِ لِيَتَحَلَّلَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْقَطْعِ مَجَازٌ، إِذِ الْقَطْعُ إِنَّمَا هُوَ مَعْنَى الْقَرْضِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَفْسِيرِهِ بِالْقَطْعِ ثُمَّ تَأْوِيلِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَحُوزُهُ وَتَجْمَعُهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ أَشْيَاخِي لِأَنَّهُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى الْقَطْعِ أَيْضًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَرَّصْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَطَّعْتُهُ وَفِي الْمُحْكَمِ فِي الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: الْمُقَرَّصُ الْمُقَطَّعُ الْمَأْخُوذُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَقَدْ قَرَّصْتُهُ وَقَرَصْتُهُ يَعْنِي بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ.
(ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيَّ تَغْسِلْهُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الرَّشُّ لِأَنَّ غَسْلَ الدَّمِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ " تَقْرُصْهُ "، وَأَمَّا النَّضْحُ فَهُوَ لِمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنَ الثَّوْبِ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ الضَّمَائِرِ لِأَنَّ ضَمِيرَ " تَنْضَحْهُ " لِلثَّوْبِ وَ " تَقْرُصْهُ " لِلدَّمِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، ثُمَّ إِنَّ الرَّشَّ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَتَطَهَّرْ بِذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ انْتَهَى.
لَكِنَّ الْقُرْطُبِيَّ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ إِنْ شَكَّ فِي إِصَابَةِ النَّجَاسَةِ لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ وَيُطَهَّرُ بِذَلِكَ، وَالْحَافِظُ لَمْ يَجْهَلْ ذَلِكَ إِنَّمَا قَالَ: فَالْأَحْسَنُ لِيُوَافِقَ الضَّمَائِرَ وَلِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى صُورَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا
(ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ) بِلَامِ الْأَمْرِ عَطْفٌ عَلَى سَابِقِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى امْتِنَاعِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ، وَجَوَازِ اسْتِفْتَاءِ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِهَا وَمُشَافَهَتِهَا لِلرَّجُلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ وَيَسْتَحِي مِنْ ذِكْرِهِ وَالْإِفْصَاحِ بِذِكْرِ مَا يُسْتَقْذَرُ لِلضَّرُورَةِ، وَنَدْبِ فَرْكِ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ لِيَهُونَ غَسْلُهَا، وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ النَّجَاسَاتِ إِنَّمَا تُزَالُ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ بِمَثَابَةِ الدَّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِجْمَاعًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَيْ تَعْيِينُ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ: " مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفُرِهَا " وَلِأَبِي دَاوُدَ: بَلَّتْهُ بِرِيقِهَا
وَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرِّيقُ لَا يُطَهِّرُ لَزَادَتِ النَّجَاسَةُ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ قَصَدَتْ بِذَلِكَ تَحْلِيلَ أَثَرِهِ ثُمَّ غَسَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ.
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَمُسْلِمٌ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَرْثِ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ خَمْسَةٌ.