يَجْنِي عَلَيْكَ» ". قَالَ عِيَاضٌ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بَقِيَ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَطْءُ زَمَعَةَ بِاسْتِفَاضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اعْتِرَافٍ، وَإِنَّمَا يَصْعُبُ هَذَا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ: لَا يَثْبُتُ الْفِرَاشُ إِلَّا بِوَلَدٍ سَابِقٍ وَلَا وَلَدٌ سَابِقٌ هُنَا وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَكُونَ وَارِثٌ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ فَحَتَّى يُوَافِقَهُ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ وَعَبْدٌ ثَمَّ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَهِيَ سَوْدَةُ وَلَمْ تُسْتَلْحَقْ مَعَهُ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُ بِالْحَدِيثِ.
وَأَجَابَ أَصْحَابُهُ بِأَنَّ زَمْعَةَ مَاتَ كَافِرًا وَسَوْدَةُ مَسْلِمَةٌ لَا تَرِثُ مِنْهُ، فَصَارَتْ كَالْعَدَمِ وَعَبْدٌ كَأَنَّهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ، وَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا وَإِنْ مُنِعَتِ الْمِيرَاثَ فَهِيَ ابْنَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا إِذْ لَا يُلْحِقُ أَخُوهَا عَلَيْهَا مَنْ لَمْ تَرْضَهُ. قَالَ: وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ أَنَّ الزِّنَى يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَجَعَلُوا الْأَمْرَ بِالِاحْتِجَابِ وَاجِبًا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ حَلَالًا إِلَّا مَا جَرَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي نِكَاحُ مَنْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ، وَأَحَلَّهَا ابْنُ الْمَاجِشُونَ طَرْدًا لِلْأَصْلِ وَإِبْطَالًا لِحُكْمِ الْحَرَامِ. اهـ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ احْتِجَابِهَا لَا يَلِيقُ بِمَرَاتِبِهِمْ لَا سِيَّمَا الْمُزَنِيُّ فِي جَعْلِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ مَكَّنَ عَبْدًا مِنْ أُخُوَّةِ الْغُلَامِ وَحَجَبَ سَوْدَةَ عَنِ الْخُلْطَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأُخُوَّةِ وَلَمْ يُرَاعِ شَبَهًا وَلَوْ رَاعَاهُ لَرَاعَاهُ فِي الْإِلْحَاقِ. وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ الْفَرْعَ إِذَا أَشْبَهَ أَصْلَيْنِ وَدَارَ بَيْنَهُمَا يُعْطَى حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ ; إِذْ لَوْ أُعْطِيَ حُكْمَ أَحَدِهِمَا لَزِمَ إِلْغَاءُ شَبَهِهِ بِالْآخَرِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَشْبَهُهُ، وَبَيَانُهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أُعْطِيَ حُكْمَ الْفِرَاشِ فَأُلْحِقَ النَّسَبُ وَلَمْ يُمَحِّضْهُ فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ لِلشَّبَهِ، وَلَمْ يُمَحِّضْهُ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ فِي الْقَاعِدَةِ إِنَّمَا هِيَ إِذَا دَارَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ يَقْتَضِي الشَّرْعُ إِلْحَاقَهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالشَّبَهُ هُنَا لَا يَقْتَضِي الشَّرْعُ إِلْحَاقَهُ بِعُتْبَةَ فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ احْتِيَاطًا وَإِرْشَادًا إِلَى مَصْلَحَةٍ وُجُودِيَّةٍ لَا عَلَى الْوُجُوبِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. اهـ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ قَزْعَةَ، وَفِي الْوَصَايَا وَفَتْحِ مَكَّةَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ «الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ» مِنْ أَصَحِّ مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَنْ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute