أَعْمَى، فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» ؟ ". وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «انْتَقِلِي إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ تَضَعِينَ ثِيَابَكَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرَاكِ» . فَأَبَاحَ لَهَا مَا مَنَعَهُ لِأَزْوَاجِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَخُوهَا مَا أَمَرَهَا أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ بُعِثَ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ. وَقَدْ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي عَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ: " «إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ» ". وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ أَخُوهَا لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارِ مَنْ يَلْزَمُهُ إِقْرَارُهُ، وَزَادَهُ بُعْدًا فِي الْقُلُوبِ شَبَهُهُ بِعُتْبَةَ، أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ. قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَجَوَابُ الْمُزَنِيِّ هَذَا أَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَأَجْرَى عَلَى الْقَوَاعِدِ مِنْ قَوْلِ سَائِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِفِرَاشِ زَمْعَةَ وَقَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ، وَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ بِأَمْرِهَا بِالِاحْتِجَابِ حُكْمًا آخَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: جَعَلَ لِلزِّنَى حُكْمَ التَّحْرِيمِ فَمَنَعَهَا مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَخِيهَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًى فِي الْبَاطِنِ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُمْ نَسَبُوا لَهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَخَاهَا مَنْ وَجْهٍ وَغَيْرَ أَخِيهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ وَلَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِشَبَهِ عُتْبَةَ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُلَاعِنَةِ: إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَهُوَ لَهُ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَأَمْضَى حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ. وَفِي التَّمْهِيدِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِالظَّاهِرِ فَكَأَنَّهُ حَكَمَ بِحُكْمَيْنِ: حُكْمٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَحُكْمٍ بَاطِنٍ وَهُوَ الِاحْتِجَابُ لِأَجْلِ الشَّبَهِ، كَأَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةَ: لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ إِلَّا فِي حُكْمِ اللَّهِ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ لِشَبَهِهِ بِعُتْبَةَ. وَقَالَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَضَارَعَ فِيهِ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ. اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَيْسَ هَذَا مِنْ مَعْنَى الذَّرَائِعِ، وَإِنَّمَا هُوَ لَوْ صَحَّ مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ وَجْهٌ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالْأَمَةِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ تَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ لِسَوْدَةَ: لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ» . وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إِنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ، وَأَعَلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ " «لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ» " أَيْ شَبَهًا، فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ لِعَبْدٍ " هُوَ أَخُوكَ ". قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَوْ مَعْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِيرَاثِ مِنْ زَمْعَةَ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَخَلَّفَ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَالْوَلَدَ الْمَذْكُورَ وَسَوْدَةَ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي إِرْثِهِ، بَلْ حَازَهُ عَبْدٌ قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ، فَإِذَا اسْتَلْحَقَ الِابْنَ الْمَذْكُورَ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ دُونَ سَوْدَةَ، فَلِذَا قَالَ: لِعَبْدٍ هُوَ أَخُوكَ، وَقَالَ لِسَوْدَةَ: لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ. اهـ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافَقُوهُ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْأَخِ لِأَخِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُهُ ; لِأَنَّ زَمْعَةَ لَمْ يَسْتَلْحِقْ وَلَا اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ فَلَيْسَ إِلَّا اسْتِلْحَاقُ أَخِيهِ، وَأَبَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّ فِيهِ إِثْبَاتَ حُقُوقٍ عَلَى الْأَبِ بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ، وَقَدْ أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨] (سورة فَاطِرٍ: الْآيَةُ ١٨) وَقَالَ لِأَبِي رَمْثَةَ فِي ابْنِهِ: " «إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute