الثَّانِيَ فَلَا عُمُومَ عِنْدَهُمْ لَهُ فِي الْأَمَةِ، فَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ. نَعَمْ، تَرْكِيبُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ عَلَى حُكْمِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْ قَوْلِهِ لِلْفِرَاشِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا الْبَحْثِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا أَصْلٌ فِي إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ. اهـ. (وَلِلْعَاهِرِ) الزَّانِي، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ عَهِرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ: إِذَا أَتَاهَا لِلْفُجُورِ، وَعَهِرَتْ هِيَ وَتَعَهَّرَتْ: إِذَا زَنَتْ، وَالْعُهْرُ: الزِّنَى، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " «اللَّهُمَّ أَبْدِلِ الْعُهْرَ بِالْعِفَّةِ» ". قَالَهُ عِيَاضٌ (الْحَجَرُ) أَيْ الْخَيْبَةُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي حِرْمَانِ الشَّخْصِ: لَهُ الْحَجَرُ وَبِفِيهِ التُّرَابُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُرِيدُونَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْخَيْبَةُ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَيْ الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ، وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ زَانٍ يُرْجَمُ بَلِ الْمُحْصَنُ، وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رَجْمِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ، وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ فِي نَفْيِهِ عَنْهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الرَّجْمَ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُمُ زَانِيَ الْمُشْرِكِينَ، لَكِنَّ اللَّفْظَ خَرَجَ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَمَّا قَصَدَ عَيْبَ الزِّنَى أَخْبَرَ بِأَشَدِّ أَحْكَامِهِ.
لَطِيفَةٌ: كَانَ أَبُو الْعَيْنَا الشَّاعِرُ الْأَعْمَى كَثِيرَ الدُّعَابَةِ وَشَدِيدَ الِانْتِزَاعِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَتَى بَعْضُ مَنْ يُرِيدُ دُعَابَتَهُ فَهَنَّأَهُ بِالْوَلَدِ وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَجَرًا وَذَهَبَ، فَلَمَّا تَحَرَّكَ أَبُو الْعَيْنَا وَجَدَ الْحَجَرَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ: فُلَانٌ، فَقَالَ: عَرَّضَ بِي وَاللَّهِ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ".
وَلَهُ سَبَبٌ غَيْرُ قِصَّةِ ابْنِ زَمْعَةَ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " «لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا ابْنِي، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا دَعْوَةَ فِي الْإِسْلَامِ، ذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْأَثْلَبُ، قِيلَ: وَمَا الْأَثْلَبُ؟ قَالَ: الْحَجَرُ» ". وَسَقَطَ قَوْلُهُ: وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ أَتْقَنَهُ وَجَوَّدَهُ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(ثُمَّ قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (احْتَجِبِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (لِمَا) بِكَسْرِ اللَّامِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ، أَيْ لِأَجْلِ مَا (رَأَى) وَلِلتُّنِيسِيِّ: رَآهُ (مِنْ شَبَهِهِ) الْبَيِّنِ (بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَتْ) عَائِشَةُ (فَمَا رَآهَا) عَبْدُ الرَّحْمَنِ (حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ مَاتَ. قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: قِيلَ هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَغْلِيظِ أَمْرِ الْحِجَابِ عَلَيْهِنَّ وَزِيَادَتِهِنَّ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِنَّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَهُوَ كَقَوْلِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: " «احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقَالَتَا: إِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute