بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشُهَا ... خَلِقَ الْعَبَاءَةِ فِي الدِّمَاءِ قَتِيلَا.
أَيْ صَاحِبُ فِرَاشِهَا يَعْنِي زَوْجَهَا.
قَالَ عِيَاضٌ: وَالْفِرَاشُ وَإِنْ صَحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْفِرَاشُ الْمَعْهُودُ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ قِيلَ أَيْ وَجَزَمَ بِهِ الْبَاجِيُّ أَنَّ إِطْلَاقَ الْفِرَاشِ عَلَى الزَّوْجِ لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ. الْمَازِرِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّةَ لَمَّا كَانَتْ لَا تُرَادُ إِلَّا لِلْوَطْءِ جُعِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ، وَالْأَمَةُ تُشْتَرَى لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَلَا تَكُونُ فِرَاشًا حَتَّى يَثْبُتَ الْوَطْءُ، قَالَ: وَشَذَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَمَةِ فَقَالَ: لَا تَكُونُ فِرَاشًا إِلَّا بِوَلَدٍ اسْتَلْحَقَهُ فَمَا تَلِدُهُ بَعْدَهُ فَهُوَ لَهُ إِنْ لَمْ يَنْفِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْأَمَةَ لَوْ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ لَصَارَتْ فِرَاشًا بِالْمِلْكِ، وَتَعَلَّقَ بِهَا أَحْكَامُ الْحُرَّةِ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ. وَمَا قَالَهُ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَمَّا لَمْ تُرَدْ لِلْوَطْءِ جَعَلَ الشَّرْعُ الْعَقْدَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَتَنَازَعَ الْفَرِيقَانِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ: هُوَ رَدٌّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزِمْعَةَ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ يَرُدُّ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا. وَالْجَوَابُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ زَمْعَةَ عُرِفَ وَطْؤُهُ لَهَا بِاعْتِرَافِهِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ اضْطَرَّنَا إِلَيْهِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنِ اتِّفَاقِنَا جَمِيعًا عَلَى مَنْعِ إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُهُ، وَاخْتَلَفَا فِي السَّبَبِ فَقُلْنَا: ثُبُوتُ الْوَطْءِ. وَقُلْتُمْ: اسْتِلْحَاقُ وَلَدٍ سَابِقٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ سَابِقٌ، وَثُبُوتُ الْوَطْءِ لَا يُعْلَمُ عَدَمُهُ فَامْتَنَعَ تَأْوِيلُكُمْ وَأَمْكَنَ تَأْوِيلُنَا فَوَجَبَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ. اهـ. ثُمَّ اللَّفْظُ عَامٌّ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ وَالْمُعْتَبَرُ عُمُومُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ: يُقْصَرُ عَلَى السَّبَبِ لِوُرُودِهِ فِيهِ وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَصُورَةُ السَّبَبِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَامُّ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِوُرُودِهِ فِيهَا فَلَا تُخَصُّ مِنْهُ بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا يَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يَكُونَ إِذَا دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَشْمَلُهُ بِطَرِيقٍ لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا فَقَدَ يُنَازِعُ الْخَصْمُ فِي دُخُولِهِ وَضْعًا تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَامِّ إِخْرَاجَ السَّبَبِ وَبَيَانَ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الْقَائِلِينَ أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُسْتَفْرَشَةِ لَا يَلْحَقُ سَيِّدَهَا مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِلْحَاقِ الْإِقْرَارُ، لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ". وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي أَمَةٍ فَهُوَ وَارِدٌ لِبَيَانِ حُكْمِ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَبَيَانُ حُكْمِهِ إِمَّا بِالثُّبُوتِ أَوْ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفِرَاشَ هِيَ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا الَّتِي يُتَّخَذُ لَهَا الْفِرَاشُ غَالِبًا، وَقَالَ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» " كَانَ فِيهِ حَصْرُ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْحُرَّةِ، وَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْأَمَةِ، فَكَانَ فِيهِ بَيَانُ الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا، نَفْيِ النَّسَبِ عَنِ السَّبَبِ وَإِثْبَاتِهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَلِيقُ دَعْوَى الْقَطْعِ هُنَا وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ نِزَاعٌ فِي أَنَّ اسْمَ الْفِرَاشِ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ، أَوْ لِلْحُرَّةِ فَقَطْ؟ فَالْحَنَفِيَّةُ يَدَّعُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute