كَمَا قَالَ فِي اللُّقَطَةِ: هِيَ لَكَ، أَيْ بِيَدِكَ تَدْفَعُ غَيْرَكَ عَنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا لَا عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ ابْنًا لِزَمْعَةَ ثُمَّ يَأْمُرَ أُخْتَهُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ، وَلَمَّا كَانَ لِعَبْدٍ شَرِيكٌ فِيمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ أُخْتُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهَا تَصْدِيقَهُ أَلْزَمَ عَبْدًا مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ أُخْتِهِ ; إِذْ لَمْ تُصَدِّقْهُ فَلَمْ يَجْعَلْهُ أَخًا لَهَا وَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ، وَنَصُّ زِيَادَةِ الْقَعْنَبِيِّ: هُوَ أَخُوكَ، وَقِيَاسُهَا عَلَى اللُّقَطَةِ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ هَذَا، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ. . . إِلَخْ، مَمْنُوعٌ وَسَنَدُهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: لَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّهُ أَقَرَّ قَوْلَهُ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وَقَالَ: هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ هُوَ لَكَ عَبْدٌ ابْنُ أَمَةِ أَبِيكَ، فَكُلُّ أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا فَوَلَدُهَا عَبْدٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ اعْتِرَافُ سَيِّدِهَا بِأَنَّهُ كَانَ يُلِمُّ بِهَا وَلَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، وَالْأُصُولُ تَدْفَعُ قَوْلَ ابْنِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَضَاءُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي. اهـ. وَأَيْضًا فَيَرُدُّهُ زِيَادَةُ الْقَعْنَبِيِّ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ فَتُقْبَلُ، وَقَدْ خَرَّجَهَا الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَصِحُّ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْأُخُوَّةِ إِرَادَةُ مَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ، وَقَوْلُهُ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى عَبْدٍ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَأُخُوَّتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا تَدَّعِيهِ فِيمَا يَخُصُّكَ، وَعَبْدٌ انْفَرَدَ بِمِيرَاثِ زَمْعَةَ لِأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَسَوْدَةُ أُخْتُهُ مَسْلِمَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لِعَبْدٍ بَيْعُهُ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ بُنُوَّتُهُ لِزَمْعَةَ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ إِذَا ادَّعَى صَاحِبُ فِرَاشٍ وَصَاحِبُ زِنًى ; لِأَنَّهُ مَا قَبِلَ عَلَى عُتْبَةَ قَوْلَ أَخِيهِ سَعْدٍ وَلَا عَلَى زَمْعَةَ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا هَذَا الْوَلَدَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَالْمَلَائِكَةِ: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى} [ص: ٢٢] (سورة ص: الْآيَةُ ٢٢) الْآيَةَ، وَلَمْ يَكُونُوا خَصْمَيْنِ وَلَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، وَلَكِنَّهُمْ كَلَّمُوهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لِيَعْرِفَ بِهَا مَا أَرَادُوا تَعْرِيفَهُ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ فِيمَا دَنَا فِيهِ التَّنَازُعُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: بِأَنَّهُ كَيْفَ يُقَالُ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ وَقَدْ مَكَّنَ عَبْدًا مِنْ أُخُوَةِ الْغُلَامِ؟ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) (الْ) لِلْعَهْدِ، أَيِ الْوَلَدُ لِلْحَالَةِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الِافْتِرَاشُ، أَيْ تَأَتِّي الْوَطْءِ، فَالْحُرَّةُ فِرَاشٌ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا مَعَ إِمْكَانِ الْوَطْءِ وَالْحَمْلِ فَلَا يَنْتَفِي عَنْ زَوْجِهَا سَوَاءٌ أَشْبَهَهُ أَمْ لَا، وَتَجْرِي بَيْنَهُمَا الْأَحْكَامُ مِنْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِ، إِلَّا بِلِعَانٍ، وَالْأَمَةُ إِنْ أَقَرَّ سَيِّدُهَا بِوَطْئِهَا أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنْ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ. وَقَدَّرُوا مُضَافًا، أَيْ صَاحِبُ الْفِرَاشِ وَهُوَ الزَّوْجُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ جَرِيرٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute