للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بْنُ زَمْعَةَ مِنَ الْحِجْرِ فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْدَةَ أُخْتِي» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي) أَيْ جَارِيَتِهِ (وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) مِنْ أَمَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، كَأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ حُكْمَ الْفِرَاشِ فَاحْتَجَّ بِهِ، وَقَدْ كَانَتْ عَادَةُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلْحَاقَ النَّسَبِ بِالزِّنَى وَكَانُوا يَسْتَأْجِرُونَ الْإِمَاءَ لِلزِّنَى، فَمَنِ اعْتَرَفَتِ الْأُمُّ أَنَّهُ لَهُ لُحِقَ، وَلَمْ يَقَعْ إِلْحَاقُ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; إِمَّا لِعَدَمِ الدَّعْوَى، وَإِمَّا لِأَنَّ الْأَمَةَ لَمْ تَعْتَرِفْ لِعُتْبَةَ، وَقِيلَ: كَانَتْ مَوَالِي الْوَلَائِدِ يُخْرِجُوهُنَّ لِلزِّنَى وَيَضْرِبُونَ عَلَيْهِنَّ الضَّرَائِبَ، وَكَانَتْ وَلِيدَةُ زَمْعَةَ كَذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً مُسْتَفْرَشَةً لِزِمْعَةَ فَزَنَى بِهَا عُتْبَةُ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَإِنْ نَفَاهُ انْتَفَى عَنْهُ وَإِنِ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ رُدَّ ذَلِكَ إِلَى السَّيِّدِ أَوِ الْقَافَةِ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ ظُنَّ أَنَّهُ مِنْ عُتْبَةَ فَاخْتَصَمَ فِيهَا (فَتَسَاوَقَا) أَيْ تَدَافَعَا بَعْدَ تَخَاصُمِهِمَا وَتَنَازُعِهِمَا فِي الْوَلَدِ، أَيْ سَاقَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) هَذَا (ابْنُ أَخِي) عُتْبَةَ (قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ (فِيهِ) وَلِلْقَعْنَبِيِّ: عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. زَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ (وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) وَلِلْقَعْنَبِيِّ: «فَنَظَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ) » زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: هُوَ أَخُوكَ (يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ) بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا وَنَصْبِ نُونِ ابْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَسَقَطَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَدَاةُ النِّدَاءِ فَبَنَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: إِنَّمَا مَلَّكَهُ إِيَّاهُ لِأَنَّهُ ابْنُ أَمَةِ أَبِيهِ لَا أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ فَالرِّوَايَةُ إِنَّمَا هِيَ بِالْيَاءِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ إِسْقَاطِهَا فَعَبْدٌ هَنَا عَلَمٌ وَالْعَلَمُ يُحْذَفُ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ، وَمِنْهُ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: ٢٩] (سورة يُوسُفَ: الْآيَةُ ٢٩) اهـ.

وَرِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ صَرِيحَةٌ فِي رَدِّ هَذَا الزَّعْمِ، وَلِذَا قَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ لَكَ، أَيْ هُوَ أَخُوكَ كَمَا ادَّعَيْتَ. قَضَى فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ زَمْعَةَ كَانَ صِهْرَهُ فَفِرَاشُهُ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَى عَبْدٍ عَلَى أَبِيهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ إِقْرَارُهُ بِهِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا لِاسْتِلْحَاقِ عَبْدٍ لَهُ ; لِأَنَّ الْأَخَ لَا يَصْلُحُ اسْتِلْحَاقُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَفِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ خِلَافٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَلَى أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَعْنَى هُوَ لَكَ، أَيْ بِيَدِكَ تَمْنَعُ مِنْهُ مِنْ سِوَاكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>