الدَّمُ قَالَ: فَأَمَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تَسْأَلَ لَهَا (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ: أَنَّ فَاطِمَةَ هِيَ السَّائِلَةُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عُرْوَةَ كَذَلِكَ عَنْ فَاطِمَةَ نَفْسِهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ سَأَلَتْ لَهَا، قَالَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: وَلَعَلَّ الْجَمْعَ بَيْنَهَا أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ كُلًّا مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَسْمَاءَ أَنْ تَسْأَلَ لَهَا فَسَأَلَتَا مُجْتَمِعَتَيْنِ أَوْ سَأَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهَا بِسُؤَالِ الْأُخْرَى، وَصَحَّ إِطْلَاقُ السُّؤَالِ عَلَى فَاطِمَةَ بِاعْتِبَارِ أَمْرِهَا بِالسُّؤَالِ وَأَنَّهَا حَضَرَتْ مَعَهُمَا فَلَمَّا بَدَأَتَا بِالْكَلَامِ تَكَلَّمَتْ هِيَ حِينَئِذٍ، انْتَهَى.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمُبْهَمَةِ فَاطِمَةُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ هَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عِنْدَنَا حَدِيثٌ آخَرُ، وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثًا غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ فِي امْرَأَةٍ عَرَفَتْ إِقْبَالَ حَيْضَتِهَا وَإِدْبَارَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي امْرَأَةٍ كَانَ لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ فَزَادَهَا الدَّمُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهَا فَلَمْ تُمَيِّزْهَا فَأَمَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَيَّامِهَا مِنَ الشَّهْرِ.
(فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ) وَالصَّوْمَ وَنَحْوَهُمَا (قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) وَأَجَابَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ بِأَنَّهُ إِنْ صَحَّ أَنَّ الْمُبْهَمَةَ فَاطِمَةُ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ لَهَا أَحْوَالٌ كَانَتْ فِي بَعْضِهَا مُمَيِّزَةٌ وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَتْ مُمَيِّزَةً، وَجَاءَ الْجَوَابُ لَهَا بِاعْتِبَارِ حَالَتَيْهَا، قَالَ: وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُبْتَدَأَةً بَلْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ تَعْرِفُهَا وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ كَوْنِهَا مُمَيِّزَةً أَمْ لَا فَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُعْتَادَةَ تُرَدُّ لِعَادَتِهَا مَيَّزَتْ أَمْ لَا، وَافَقَ تَمْيِيزُهَا عَادَتَهَا أَمْ خَالَفَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَاعِدَةِ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ هِيَ مُمَيِّزَةٌ أَمْ لَا، وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا إِنَّمَا تُرَدُّ لِعَادَتِهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً وَإِلَّا رُدَّتْ إِلَى تَمْيِيزِهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ: " «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَحَكَمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَالَّذِي اضْطَرَّهُمْ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ مُعَارَضَةُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ طَرْحِ أَحَدِهِمَا، وَمَتَى رُدَّتْ إِلَى الْعَادَةِ مُطْلَقًا أُلْغِيَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ بِالْكُلِّيَّةِ.
(فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الثَّقِيلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ تَرَكَتْ أَيَّامَ الْحَيْضِ الَّذِي كَانَتْ تَعْهَدُهُ وَرَاءَهَا (فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَشُدُّ فَرْجَهَا (بِثَوْبٍ) خِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ بَعْدَ أَنْ تَحْتَشِيَ قُطْنًا وَتُوثِقَ طَرَفَيِ الْخِرْقَةِ فِي شَيْءٍ تَشُدُّهُ عَلَى وَسَطِهَا فَيُمْنَعُ بِذَلِكَ سَيْلُ الدَّمِ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَفَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute