الدَّابَّةِ بِفَتْحِ الْفَاءِ الَّذِي يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِهَا وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ الثُّفْرِ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَهُوَ الْفَرْجُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِلسِّبَاعِ فَاسْتُعِيرَ لِغَيْرِهَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ بِمُثَلَّثَةٍ، وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْهُ لِتَسْتَذْفِرْ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ بَدَلِهَا أَيْ تُجَفِّفُ الدَّمَ بِالْخِرْقَةِ (ثُمَّ لِتُصَلِّي) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ لِلْإِشْبَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: ٩٠] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ ٩٠) كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ، لَا يُقَالُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لِأُنْثَى.
لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ لَيْسَ خِطَابًا وَإِنَّمَا هُوَ مُسْنَدٌ لِضَمِيرِ الْغَائِبِ أَيْ لِتُصَلِّي هِيَ، فَكَانَ الْوَاجِبُ حَذْفَ الْيَاءِ لِلَامِ الْأَمْرِ فَجِيءَ بِهَا لِلْإِشْبَاعِ فَحَذَفَ الْجَازِمُ يَاءَ الْعِلَّةِ وَالْمَوْجُودَةُ إِشْبَاعٌ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَحَاضَةِ حُكْمُ الطَّاهِرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَصِيَامٍ وَاعْتِكَافٍ وَقِرَاءَةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَحَمْلِهِ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَهَذَا أَمْرٌ مُجَمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي إِبَاحَةِ وَطْئِهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى جَوَازِ الْوَطْءِ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاعْتِزَالِهَا حَائِضًا وَأَذِنَ فِي إِتْيَانِهَا طَاهِرًا، فَلَمَّا حَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ فِي أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ وَطْئِهَا.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتِ، الصَّلَاةُ أَعْظَمُ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْحَيْضِ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهَا إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي يَلِي شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كَانَ لَا تَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَلَا دَوَامِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَةً. . . إِلَخْ، فَاخْتُلِفَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فِي إِسْنَادِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute