اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ، وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجَنَتَاهُ أَوْ وَجْهُهُ» ". وَفِي أُخْرَى: " «فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ". بِشَدِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ. وَفِي أُخْرَى: " «فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» ". (مَعَهَا سِقَاؤُهَا) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، جَوْفُهَا، أَيْ حَيْثُ وَرَدَتِ الْمَاءَ شَرِبَتْ مَا يَكْفِيهَا حَتَّى تَرِدَ مَاءً آخَرَ، وَقِيلَ: عُنُقُهَا فَتَشْرَبُ مِنْ غَيْرِ سَاقٍ يَسْقِيهَا لِطُولِهِ. (وَحِذَاؤُهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ، أَخْفَافُهَا فَتَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَقَطْعِ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لِمَّا كَانَتْ مُسْتَغْنِيَةً عَنِ الْحَافِظِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَعَنِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا بِمَا رُكِّبَ فِي طَبْعِهَا مِنَ الْجَلَدِ عَلَى الْعَطَشِ وَالْجَفَاءِ، عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالسِّقَاءِ وَالْحِذَاءِ مَجَازًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهَا لِأَنَّ الْأَخْذَ إِنَّمَا هُوَ لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِهَا إِمَّا بِحِفْظِ الْعَيْنِ أَوْ بِحِفْظِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى حِفْظٍ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ وَمَا يُسِّرَ لَهَا مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا قَالَ. (تَرِدُ الْمَاءَ) فَتَشْرَبُ مِنْهُ بِلَا تَعَبٍ (وَتَأْكُلُ مِنَ الشَّجَرِ) بِسُهُولَةٍ لِطُولِهَا وَطُولِ عُنُقِهَا (حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) أَيْ مَالِكُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: " فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ". وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تُلْتَقَطُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّ بَقَاءَهَا حَيْثُ ضَلَّتْ أَقْرَبُ إِلَى وِجْدَانِ مَالِكِهَا لَهَا مِنْ تَطَلُّبِهِ لَهَا فِي رِحَالِ النَّاسِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْأَوْلَى أَنْ تُلْتَقَطَ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ عَلَى مَنِ الْتَقَطَهَا لِلتَّمَلُّكِ لَا لِيَحْفَظَهَا فَيَجُوزُ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِيهِ جَوَازُ الِالْتِقَاطِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ حِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا عَنِ الْخَوَنَةِ وَتَعْرِيفِهَا لِتَصِلَ إِلَى صَاحِبِهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَرْجَحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَمَتَى رَجَحَ أَخْذُهَا وَجَبَ أَوِ اسْتُحِبَّ، وَمَتَى رَجَحَ تَرْكُهَا حَرُمَ أَوْ كُرِهَ وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللُّقَطَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمُسَاقَاةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْقَضَاءِ عَنْ يَحْيَى، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ السُّفْيَانَانِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute