جَاءَ. . . إِلَخْ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: " «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ". فَأَمَرَ بِأَدَائِهَا قَبْلَ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهَا وَبَعْدَهُ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ: " «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَاعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اقْبِضْهَا فِي مَالِكَ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ» ".
(قَالَ) السَّائِلُ (فَضَالَّةُ الْغَنَمِ) أَيْ مَا حُكْمُهَا، فَحَذَفَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الضَّالَّةُ لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَمَا سِوَاهُ يُقَالُ لَهُ لُقَطَةٌ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هِيَ لَكَ) إِنْ أَخَذْتَهَا فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى إِبَاحَةِ أَخْذِهَا كَأَنَّهُ قِيلَ: هِيَ ضَعِيفَةٌ لِعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ مُعَرَّضَةٌ لِلْهَلَاكِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ فَتَكُونَ لَكَ (أَوْ لِأَخِيكَ) فِي الدِّينِ إِنْ لَمْ تَأْخُذْهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ صَاحِبِهَا أَوْ مِنْ مُلْتَقِطٍ آخَرَ، كَذَا قِيلَ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْبَلَاغَةَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْتَرِنَ صَاحِبُهَا بِالدَّيْنِ الْعَادِيِّ، فَالْمُرَادُ مُلْتَقِطٌ آخَرُ. (أَوْ لِلذِّئْبِ) وَالْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ مَا يَأْكُلُ الشَّاةَ، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى أَخْذِهَا; لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْخُذْهَا تَعَيَّنَتْ لِلذِّئْبِ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى أَخْذِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ. . . إِلَخْ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ، فَيَدُلُّ عَلَى رَدِّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ بِتَرْكِ الْتِقَاطِ الشَّاةِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَجَدَهَا فِي فَلَاةٍ مَلَكَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا وَلَا تَعْرِيفُهَا; لِأَنَّ اللَّامَ لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي غَيْرِهَا: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ; إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى التَّمَتُّعِ، وَلِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنِ الذِّئْبِ وَالْمُلْتَقِطِ، وَالذِّئْبُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: يَجِبُ تَعْرِيفُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ أَكَلَهَا إِنْ شَاءَ وَغَرِمَ لِصَاحِبِهَا، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ لِلذِّئْبِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِاتِّفَاقٍ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَالِكَهَا لَوْ جَاءَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْوَاجِدُ لِأَخْذِهَا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ اللَّامَ لِلْمِلْكِ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى الذِّئْبِ لِلْمُشَاكَلَةِ أَوِ التَّغْلِيبِ فَلَا يَمْنَعُ كَوْنُهَا لِلتَّمْلِيكِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَلَا يَرُدُّ نَقْضًا، فَإِنِ الْتَقَطَهَا فِي الْفَلَاةِ وَدَخَلَ بِهَا الْعُمْرَانَ أَوِ الْتَقَطَهَا فِي الْعُمْرَانِ وَجَبَ التَّعْرِيفُ وَصَارَتْ لُقَطَةً، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي ضَالَّةِ الشَّاةِ: " «فَاجْمَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا بَاغِيهَا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ» ". وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْغَرَامَةَ وَلَا نَفَاهَا فَثَبَتَ حُكْمُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ، فَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ فِيهَا ذِكْرُ حُكْمِ الشَّاةِ إِذَا أَكَلَهَا الْمُلْتَقِطُ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ.
(قَالَ) السَّائِلُ (فَضَالَّةُ الْإِبِلِ) مَا حُكْمُهَا؟ (قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute