التَّعَفُّفِ عَنْهَا. وَحَدِيثُ زَيْدٍ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ لِاحْتِيَاجِ الْأَعْرَابِيِّ وَاسْتِغْنَاءِ أُبَيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ تَعْرِيفَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فَأَمَرَ ثَانِيًا بِإِعَادَةِ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا عَلَى مِثْلِ أُبَيٍّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَةً عِنْدَهُمْ أَنَّ التَّعْرِيفَ مُفَوَّضٌ لِلْمُلْتَقِطِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بِلَفْظِ: " «فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ". وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ رَبِيعَةَ: " «فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا» ". فَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ أَنَّهَا تُدْفَعُ لِمَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لِمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ أَعْرِفْ عِفَاصَهَا. . . إِلَخْ، وَقَدْ صَحَّتْ هَذِهِ اللُّقَطَةُ، أَيِ الْأَمْرُ بِدَفْعِهَا لِمَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ، وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا بِلَفْظِ: فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طُرُقٍ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَيُخَصُّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ ( «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» ) ، وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ - إِنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ حَاوَلَ تَضْعِيفَهَا - غَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ، وَمَا اعْتَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ وَصَفَهَا فَأَصَابَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَجَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا فَأَصَابَ، لَا يَقْتَضِي الطَّعْنَ فِي الثَّانِي; لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، فَجَاءَ آخَرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهَا لَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفَاصِيلُ لِلْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
(وَإِلَّا) يَجِيءُ صَاحِبُهَا (فَشَأْنَكَ) أَيِ الْزَمْ شَأْنَكَ، أَيْ حَالَكَ (بِهَا) أَيْ تَصَرَّفْ فِيهَا، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ بِهَا، أَيْ شَأْنُكَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا، وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ رَبِيعَةَ: " «فَإِنْ لَمْ يَأْتِ لَهَا طَالِبٌ فَاسْتَنْفِقْهَا» ". وَفِيهِ أَنَّ اللَّاقِطَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: شَأْنَكَ بِهَا، تَفْوِيضٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَاسْتَنْفِقْهَا لِلْإِبَاحَةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالتَّمَلُّكِ وَكِفَايَةِ النِّيَّةِ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا، وَدُخُولُهَا فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الِالْتِقَاطِ أَقْوَالٌ، وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بِلَفْظِ: " «وَإِلَّا فَتَصْنَعُ بِهَا مَا تَصْنَعُ بِمَالِكٍ» ". وَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا بَعْدَ تَعْرِيفِهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا لَهُ فَيَرُدُّهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَبَدَلَهَا إِنِ اسْتُهْلِكَتْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
فَفِي مُسْلِمٍ: " «وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ» ". وَلَهُ أَيْضًا: " «فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ". فَظَاهِرُهُ وُجُوبُ رَدِّهَا بَعْدَ أَكْلِهَا، فَيُحْمَلُ عَلَى رَدِّ الْبَدَلِ، أَوْ فِيهِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ، وَالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ كُلْهَا إِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute