للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَأْتِي، وَإِنْ عَنَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَمَرْدُودٌ، فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ " لَهُ مَالٌ " أَوْلَى عِنْدِي مِنْ رِوَايَةِ " لَهُ شَيْءٌ " لِأَنَّ الشَّيْءَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْمَالِ، كَذَا قَالَ وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِهَا فَرِوَايَةُ " شَيْءٌ " أَشْمَلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمُتَمَوِّلَ وَغَيْرَهُ كَالْمُخْتَصَّاتِ اهـ.

(يَبِيتُ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِمُسْلِمٍ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ " آمَنَّا " أَوْ " ذَاكِرًا " أَوْ " مَوْعُوكًا " كَمَا جَزَمَ بِهِ الطِّيبِيُّ، وَالْخَبَرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ (يَبِيتُ) خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ بِتَأْوِيلِهِ بِالْمَصْدَرِ تَقْدِيرُهُ: مَا حَقُّهُ بَيْتُوتَةُ لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَارْتَفَعَ الْفِعْلُ بَعْدَ حَذْفِ (أَنْ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: ٢٤] (سورة الرُّومِ: الْآيَةُ ٢٤) قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَفِيهِ تَغَيُّرُ الْمَعْنَى أَيْضًا، وَإِنَّمَا قَدْ رَأَتْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمِنْ آيَاتِهِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ مُبْتَدَأٌ فَيُقَدَّرَانِ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ وُقُوعُهُ مُبْتَدَأً، فَمَنْ لَهُ ذَوْقٌ يَعْلَمُ هَذَا وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَرَدَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ " أَنْ يَبِيتَ " فَصَرَّحَ بِأَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ فَسَادٌ وَلَا تَغَيُّرُ مَعْنًى إِذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ ظَرْفٌ وَالْآيَةُ مُبْتَدَأٌ، فَاخْتِلَافُ الْإِعْرَابِ فِيهِمَا لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْقِيَاسِ; إِذِ التَّنْظِيرُ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرِ أَنَّ وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَابِ، وَالْفِعْلُ مَرْفُوعٌ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ (لَيْلَتَيْنِ) كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ. وَلِأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ. وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا، فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ، وَالْمَعْنَى: لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَلَوْ قَلَّ (إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ) بِخَطِّهِ أَوْ بِغَيْرِ خَطِّهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَنًا مَا وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَجَاوُزُ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يَنْبَغِي أَنْ تُضْبَطَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ مِنَ الضَّبْطِ بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ يَخُونُ غَالِبًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ. وَخَصَّ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ ذُكِرَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَبْطِ الْمَشْهُودِ بِهِ، قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ " «وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» " أَيْ بِشَرْطِهَا مَشْهُودٌ عَلَيْهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِضْمَارَ الْإِشْهَادِ فِيهِ بَعْدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمُ احْتَجُّوا لَهُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: ١٠٦] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ١٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>