بِمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: أَلَا تُوصِي؟ قَالَ: أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِهِ، وَأَمَا رِبَاعِي فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُشَارِكَ وَلَدِي فِيهَا أَحَدٌ. وَجَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ وَيَتَعَاهَدُهَا ثُمَّ صَارَ يُنْجِزُ مَا كَانَ يُوصِي بِهِ مُعَلَّقًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ، وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، الْحَدِيثَ. وَفِي قَوْلِهِ " لَهُ شَيْءٌ " صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَمَنَعَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَمُطْلَقُهَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ، لَكِنْ خَصَّهَا السَّلَفُ بِالْمَرِيضِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْخَبَرِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ، وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلْمَوْتِ وَالِاحْتِرَازِ قَبْلَ الْفَوْتِ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَأُهُ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِنٍّ يُفْرَضُ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِيهِ جَمْعٌ جَمٌّ، فَكُلُّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ جَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَهِّبًا لِذَلِكَ فَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ وَيَجْمَعَ فِيهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ الْأَجْرُ وَيَحُطُّ عَنْهُ الْوِزْرَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَيُّوبُ وَأُسَامَةُ اللَّيْثِيُّ وَيُونُسُ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.
(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا أَوْصَى فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عَتَاقَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، مَصْدَرٌ كَالْعِتْقِ (رَقِيقٍ مِنْ رَقِيقِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ (فَإِنَّهُ يُغَيِّرُ) يُبَدِّلُ (مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّ عَقْدَهَا مُنْحَلٌّ (وَيَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوتَ) فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُبَدِّلْ لَزِمَتْ فِي ثُلُثِهِ. (وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطْرَحَ) يُلْقِيَ، أَيْ يُبْطِلَ (تِلْكَ الْوَصِيَّةَ وَيُبْدِلَهَا) بِغَيْرِهَا (فَعَلَ) بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِلَا إِبْدَالٍ (إِلَّا أَنْ يُدَبِّرَ مَمْلُوكًا) لَهُ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٌ بِنَحْوِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ (فَإِنْ دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِ مَا دَبَّرَ) لِأَنَّهُ صَارَ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ (وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» ") قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْكِرْمَانِيُّ: " مَا " نَافِيَةٌ " وَلَهُ شَيْءٌ " صِفَةُ امْرِئٍ " وَيُوصَى فِيهِ " صِفَةٌ لِشَيْءٍ " وَيَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ " صِفَةٌ ثَالِثَةٌ، وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرٌ، وَمَفْعُولُ (يَبِيتُ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ذَاكِرًا أَوْ آمِنًا. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: تَقْدِيرُهُ " مَوْعُوكًا " وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute