الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرَاثِي» " وَهُوَ عِنْدَ «ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ» بِلَفْظِ: نَهَانَا أَنْ نَتَرَاثَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: زَعَمَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ: يَرْثِي. . . إِلَخْ، مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إِلَى مَا رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ فَصَّلَ ذَلِكَ، لَكِنْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، قَالَ سَعْدٌ يَرْثِي لَهُ. . . إِلَخْ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي وَصْلِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِإِدْرَاجِهِ. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا: " ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي ثُمَّ مَسَحَ وَجْهِي وَبَطْنِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهَا» ". وَلِمُسْلِمٍ: " قُلْتُ: «فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَشْفِيَنِي، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ". وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ زِيَارَةِ الْمَرِيضِ لِلْإِمَامِ فَمَنْ دُونَهُ، وَيَتَأَكَّدُ بِاشْتِدَادِ الْمَرَضِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَمَسْحِ وَجْهِهِ وَالْعُضْوِ الَّذِي يَأْلَمُهُ وَالْفَسْحِ لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ، وَجَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرِيضِ بِشِدَّةِ مَرَضِهِ وَقُوَّةِ أَلَمِهِ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يُمْنَعُ أَوْ يُكْرَهُ مِنَ التَّبَرُّمِ وَعَدَمِ الرِّضَا بَلْ لِطَلَبِ دُعَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ وَرُبَّمَا اسْتُحِبَّ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الِاتِّصَافَ بِالصَّبْرِ الْمَحْمُودِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ أَثْنَاءَ الْمَرَضِ كَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ أَجْوَزَ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ وَالطَّاعَةِ إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ قَامَ غَيْرُهُ فِي الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ مَقَامَهُ، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ سَعْدًا خَافَ أَنْ يَمُوتَ فِي الدَّارِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا فَيَفُوتَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَجْرِ هِجْرَتِهِ، فَأَخْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ إِنْ تَخَلَّفَ عَنْ دَارِ هِجْرَتِهِ فَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا مِنْ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ بِهِ أَجْرٌ يُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، وَالْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ وَأَنَّ صِلَتَهُمْ أَفْضَلُ، وَالْإِنْفَاقُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ إِذَا قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ صَارَ طَاعَةً، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِأَقَلِّ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْعَادِيَّةِ، وَهِيَ وَضْعُ اللُّقْمَةِ فِي فَمِ الزَّوْجَةِ ; إِذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ غَالِبًا إِلَّا عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْمُمَازَحَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيُؤْجَرُ فَاعِلُهُ إِذَا قَصَدَ بِهِ قَصْدًا صَحِيحًا، فَكَيْفَ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ قِيلَ: وَجَوَازُ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ; لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا يُبَالِي بِالْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الْفَقْرَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيلًا مَحْضًا وَإِنَّمَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَحَظِّ الْأَنْفَعِ، وَلَوْ كَانَ تَعْلِيلًا مَحْضًا لَاقْتَضَى جَوَازُ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءُ، وَلَنَفَّذَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إِجَازَتِهِمْ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ مَحْضٌ فَهُوَ لِلنَّقْصِ عَنِ الثُّلُثِ لَا لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ الْإِيصَاءَ بِالثُّلُثِ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَى الْمُوصِي قَالَ: إِلَّا أَنَّ الِانْحِطَاطَ عَنْهُ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَتَهُ فُقَرَاءَ، وَفِيهِ الِاسْتِفْسَارُ عَنِ الْمُجْمَلِ إِذَا احْتَمَلَ وُجُوهًا ; لِأَنَّ سَعْدًا لَمَّا مُنِعَ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ احْتَمَلَ عِنْدَهُ الْمَنْعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute