فَإِنَّهُ عَاشَ حَتَّى فَتَحَ الْعِرَاقَ وَحَصَلَ نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ وَضُرُّ الْكُفَّارِ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَيَكُونُ عَاشَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً.
(اللَّهُمَّ أَمْضِ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الْإِمْضَاءِ وَهُوَ الْإِنْفَاذُ، أَيْ أَتْمِمْ (لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ) الَّتِي هَاجَرُوهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ (وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) بِتَرْكِ هِجْرَتِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ عَنْ مُسْتَقِيمِ حَالِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ بِالْمَرَضِ أَحَدٌ لِأَجْلِ حُبِّ الْوَطَنِ. (لَكِنِ الْبَائِسُ) بِمُوَحَّدَةٍ وَهَمْزَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، الَّذِي عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ، أَيْ شِدَّةُ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ (سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَلَامٍ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ، الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ، وَقِيلَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ، وَقِيلَ مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَقِيلَ هُوَ فَارِسِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ حَالَفَ بَنِي عَامِرٍ وَشَهِدَ بَدْرًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي اسْمِهِ " خَوْلِيٌّ " بِكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَأَغْرَبَ الْقَابِسِيُّ فَقَالَ بِفَتْحِهَا. وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ. وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ: يَرْحَمُ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عَفْرَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ وَهْمٌ، وَالْمَعْرُوفُ ابْنُ خَوْلَةَ، قَالَ: وَلَعَلَّ الْوَهْمَ مِنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَالزُّهْرِيُّ أَحْفَظُ مِنْهُ اهـ. وَقَدْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ التَّيْمِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ لِأُمِّهِ اسْمَيْنِ خَوْلَةَ وَعَفْرَاءَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ، أَوْ أَحَدُهُمَا اسْمُ أُمِّهِ وَالْآخَرُ اسْمُ أَبِيهِ أَوِ الْآخَرُ اسْمُ جَدَّةٍ لَهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ عَفْرَاءَ اسْمُ أُمِّهِ وَالْآخَرُ اسْمُ أَبِيهِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهُ خَوْلَةُ أَوْ خَوْلِيٌّ (يَرْثِي) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ، يَتَوَجَّعُ وَيَتَحَزَّنُ (لَهُ) لِأَجْلِهِ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يَصِحُّ كَسْرُهَا ; لِأَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ وَهُوَ كَانَ قَدْ (مَاتَ بِمَكَّةَ) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي تَارِيخِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: مَاتَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ مَعَ قُرَيْشٍ سَنَةَ سَبْعٍ، فَتَوَجَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْتِهِ فِي أَرْضٍ هَاجَرَ مِنْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَمْ يُهَاجِرْ، فَسَبَبُ بُؤْسِهِ عَدَمُ هِجْرَتِهِ، فَإِنَّمَا بُؤْسُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِقَامَةَ فِي أَرْضٍ هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا مَعَ حُبِّهِمْ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى ; فَلِذَا خَشِيَ سَعْدٌ أَنْ يَمُوتَ بِهَا، وَتَوَجَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ خَوْلَةَ أَنْ مَاتَ بِهَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ خَلَّفَ مَعَ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَجُلًا وَقَالَ: إِنْ تُوفِّيَ بِمَكَّةَ فَلَا تَدْفِنْهُ بِهَا. وَالرِّثَاءُ يُطْلَقُ عَلَى التَّوَجُّعِ وَالتَّحَزُّنِ وَهَذَا هُوَ الْمُبَاحُ الَّذِي فَعَلَهُ الْمُصْطَفَى، وَيُطْلَقُ عَلَى ذِكْرِ أَوْصَافِ الْمَيِّتِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَاللَّوْعَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute