بِأَنَّ قَوْلَهُ " «أَنْ تَذَرَ بِنْتَكَ» " لَيْسَ مُتَعَيَّنًا لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لَمْ يَكُنْ مُنْحَصِرًا فِيهَا، فَقَدْ كَانَ لِأَخِيهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَوْلَادٌ إِذْ ذَاكَ مِنْهُمْ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ الصَّحَابِيُّ، قُتِلَ بِصِفِّينَ، فَعَبَّرَ بِوَرَثَتِكَ لِتَدْخُلَ الْبِنْتُ وَغَيْرُهَا مِمَّنْ يَرِثُ لَوْ مَاتَ إِذْ ذَاكَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَبَّرَ بِوَرَثَتِكَ لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ سَعْدًا يَعِيشُ وَيَأْتِيهِ أَوْلَادٌ غَيْرُ الْبِنْتِ، فَكَانَ كَذَلِكَ وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ بَنِينَ لَا أَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ، قُصُورٌ شَدِيدٌ فَإِنَّ أَسْمَاءَهُمْ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ وَمُصْعَبٍ وَمُحَمَّدٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ أَبِيهِمْ سَعِدٍ، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَمَّا ذَكَرْتُ الثَّلَاثَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ اقْتَصَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَلَيْهِمْ فَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ غَيْرَهُمْ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى وَإِسْحَاقَ ذَكَرَهُمُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ، وَفَاتَهُ أَنَّ ابْنَ سَعْدٍ ذَكَرَ لَهُ مِنَ الذُّكُورِ غَيْرِ السَّبْعَةِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ وَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَمْرٌو وَعِمْرَانُ وَصَالِحٌ وَعُثْمَانُ وَإِسْحَاقُ الْأَصْغَرُ وَعُمَرُ الْأَصْغَرُ وَعُمَيْرٌ مُصَغَّرٌ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ لَهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بِنْتًا وَكَأَنَّ ابْنَ الْمَدِينِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مِنْهُمْ. (قَالَ) سَعْدٌ: (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (بَعْدَ أَصْحَابِي) الْمُنْصَرِفِينَ مَعَكَ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ مَرَضِي، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِقَامَةَ بِهَا لِكَوْنِهِمْ هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ) بَعْدَ أَصْحَابِكَ (فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ) أَيْ بِالْعَمَلِ (دَرَجَةً وَرِفْعَةً) عِنْدَ اللَّهِ (وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ) بِأَنْ يَطُولَ عُمُرُكَ فَلَا تَمُوتَ بِمَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: " وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ "، أَيْ يُطِيلَ عُمُرَكَ (حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ) أَيِ الْمُسْلِمُونَ بِالْغَنَائِمِ بِمَا سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ. (وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْهَالِكُونَ عَلَى يَدَيْكَ وَجُنْدِكَ. وَزَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ النَّفْعَ مَا وَقَعَ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْفُتُوحِ كَالْقَادِسِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِالضُّرِّ مَا وَقَعَ مِنْ تَأْمِيرِ ابْنِهِ عُمَرَ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ وَمَنْ مَعَهُ. وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ بِلَا ضَرُورَةٍ تُحْمَلُ عَلَى إِرَادَةِ الضُّرِّ الْحَاصِلِ مِنْ وَلَدِهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ هُوَ الضَّرَرُ لِلْكُفَّارِ. وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَمَّا أُمِّرَ سَعْدٌ عَلَى الْعِرَاقِ أُتِيَ بِقَوْمٍ ارْتَدُّوا فَاسْتَتَابَهُمْ، فَتَابَ بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُمْ، فَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ تَابَ وَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْآخَرِينَ، وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَارِهِ بِالْغَيْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute