الشِّعْرِ قَلِيلٌ فِي غَيْرِهِ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ اللُّقَطَةِ، أَيْ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا بِحَذْفِ الْفَاءِ، وَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ: الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ مَا هُوَ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَقَالَ: « (وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا) تَطْلُبُ (وَجْهَ اللَّهِ) ذَاتَهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِلَّا أُجِرْتَ) » بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَفْعَلْ لِأَنَّكَ إِنْ مِتَّ تَرَكْتَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ وَإِنْ عِشْتَ تَصَدَّقْتَ وَأَنْفَقْتَ، فَالْأَجْرُ حَاصِلٌ لَكَ فِي الْحَالَيْنِ وَنَبَّهَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ (حَتَّى مَا تَجْعَلُ) أَيِ الَّذِي تَجْعَلُهُ (فِي فِي) أَيْ فَمِ (امْرَأَتِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: " «اللُّقْمَةُ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ» ". وَقَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ " تَجْعَلُ " بِالرَّفْعِ وَ " مَا " كَافَّةٌ كَفَّتْ حَتَّى عَمَلَهَا تَعَقَبَّهُ فِي الْمَصَابِيحِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّرْكِيبِ حِينَئِذٍ إِنْ تَأَمَّلْتَ، بَلْ هِيَ اسْمٌ مَوْصُولٌ وَحَتَّى عَاطِفَةٌ، أَيْ إِلَّا أُجِرْتَ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ حَتَّى بِالشَّيْءِ الَّذِي تَجْعَلُهُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ، وَلَا يُرَدُّ أَنَّ شَرْطَ حَتَّى الْعَاطِفَةِ عَلَى الْمَجْرُورِ وَإِعَادَةِ الْخَافِضِ ; لِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ قَيَّدَهُ بِأَنْ لَا تَتَعَيَّنَ لِلْعَطْفِ نَحْوَ: عَجِبْتُ مِنَ الْقَوْمِ حَتَّى بَنِيهِمْ، وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ بِغَيْرِ إِعَادَةِ الْخَافِضِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ لِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ نَثْرًا وَنَظْمًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْعَطْفَ عَلَى الْمَنْصُوبِ الْمُتَقَدِّمِ، أَيْ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً حَتَّى الشَّيْءَ الَّذِي تَجْعَلُهُ فِي فِي امْرَأَتِكَ، لَاسْتَقَامَ وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ اهـ. وَوَجْهُ تَعَلُّقِ هَذَا بِالْوَصِيَّةِ أَنَّ سُؤَالَ سَعْدٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَغِبَ فِي كَثْرَةِ الْأَجْرِ، فَلَمَّا مَنَعَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ سَلَّاهُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ فِي مَالِهِ مِنْ صَدَقَةٍ نَاجِزَةٍ وَمِنْ نَفَقَةٍ وَلَوْ وَاجِبَةٍ يُؤْجَرُ بِهَا إِذَا ابْتَغَى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، وَلَعَلَّهُ خَصَّ الْمَرْأَةَ بِالذِّكْرِ لِاسْتِمْرَارِ نَفَقَتِهَا دُونَ غَيْرِهَا.
قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَجْرَ الْوَاجِبِ يَزْدَادُ بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَاجِبٌ وَفِيهِ الْأَجْرُ، فَإِذَا نَوَى بِهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ازْدَادَ أَجْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْإِنْفَاقِ مَشْرُوطٌ بِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا عَسِرٌ إِذَا عَارَضَهُ مُقْتَضَى الشَّهْوَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى يَبْتَغِيَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، وَيَشُقَّ تَخْلِيصُ هَذَا الْقَصْدِ مِمَّا يَشُوبُهُ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُدِّيَتْ عَلَى قَصْدِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أُثِيبَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: حَتَّى مَا تَجْعَلُ لَا تَخْصِيصَ لَهُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلَفْظَةُ حَتَّى هُنَا تَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فِي تَحْصِيلِ الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى، كَمَا يُقَالُ: جَاءَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ. هَذَا وَقَوْلُ الزَّيْنِ بْنِ الْمُنِيرِ عَبَّرَ بِوَرَثَتِكَ وَلَمْ يَقُلْ " بَنِيكَ " مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّ الْوَارِثَ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّ سَعْدًا إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَوْتِهِ مِنَ الْمَرَضِ وَبَقَائِهَا بَعْدَهُ حَتَّى تَرِثَهُ، وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ تَمُوتَ قَبْلَهُ فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ كُلِّيٍّ مُطَابِقٍ لِكُلِّ حَالَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَرَثَتَكَ " وَلَمْ يَخُصَّ بِنْتًا مِنْ غَيْرِهَا. تَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute