للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِيهِ، يَعْنِي أَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ عَوَّلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: " لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبُعِ لَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ". رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَغَضَّ بِغَيْنٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ نَقَصَ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدِهِ: كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ. وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَالَ: " «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» "، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعْدٍ: " أَوْصَيْتُ بِمَالِي كُلِّهِ، قَالَ: فَمَا تَرَكْتَ لِوَلَدِكَ، أَوْصِ بِالْعُشُرِ، فَمَا زَالَ يَقُولُ وَأَقُولُ حَتَّى قَالَ: «أَوْصِ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ» ". يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَكَذَا وَقَعَ فِي مُوَطَّأِ التِّنِّيسِيِّ بِالشَّكِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُثَلَّثَةِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ تَسَمُّحُ مَنْ قَالَ رُوِيَ بِمُثَلَّثَةٍ وَبِمُوَحَّدَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ عِنْدَ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِالشَّكِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُ الْعُلَمَاءِ فِي قَصْرِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ لَا أَصْلَ لَهُمْ غَيْرَهُ. (إِنَّكَ) بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَبِالْفَتْحِ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ، أَيْ لِأَنَّكَ (أَنْ تَذَرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، تَتْرُكَ (وَرَثَتَكَ) بِنْتَكَ الْمَذْكُورَةَ وَأَوْلَادَ أَخِيكَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الصَّحَابِيِّ وَإِخْوَتِهِ، فَعَبَّرَ بِوَرَثَةٍ لِيُدْخِلَ الْبِنْتَ وَغَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُ لَوْ مَاتَ إِذْ ذَاكَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ (أَغْنِيَاءَ) بِمَا تَتْرُكُ لَهُمْ (خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً) فُقَرَاءَ، جَمْعُ عَائِلٍ وَفِعْلُهُ يُعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ (يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِأَكُفِّهِمْ، يُقَالُ: تَكَفَّفَ النَّاسَ وَاسْتَكَفَّ إِذَا بَسَطَ كَفَّهُ لِلسُّؤَالِ، أَوْ سَأَلَ مَا يَكُفُّ عَنْهُ الْجُوعَ، أَوْ سَأَلَ كَفَافًا مِنْ طَعَامِ، أَوِ الْمَعْنَى يَطْلُبُونَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَكُفِّ النَّاسِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: " وَأَنَا ذُو مَالٍ " يُؤْذِنُ بِكَثْرَتِهِ، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِثُلُثَيْهِ أَوْ شَطْرِهِ وَأَبْقَى ثُلُثَهُ بَيْنَ بِنْتِهِ وَغَيْرِهَا لَا يَصِيرُونَ عَالَةً ; لِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى التَّقْدِيرِ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمَالِ الْكَثِيرِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ، إِذْ لَوْ تَصَدَّقَ الْمَرِيضُ بِثُلُثَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ طَالَتْ حَيَاتُهُ وَنَقَصَ وَفَنِيَ الْمَالُ فَقَدْ تَحْجُفُ الْوَصِيَّةُ بِالْوَرَثَةِ، فَرَدَّ الشَّارِعُ الْأَمْرَ إِلَى شَيْءٍ مُعْتَدِلٍ وَهُوَ الثُّلُثُ، وَقَدْ رُوِيَ: أَنْ تَذَرَ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ وَبِكَسْرِهَا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا مَعْنَى لِلشَّرْطِ هُنَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَا جَوَابَ لَهُ وَيَبْقَى خَيْرٌ لَا رَافِعَ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: سَمِعْنَاهُ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ بِالْكَسْرِ، وَأَنْكَرَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ الْخَشَّابِ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْكَسْرُ لِأَنَّهُ لَا جَوَابَ لَهُ لِخُلُوِّ لِفْظَةِ (خَيْرٌ) مِنَ الْفَاءِ وَغَيْرِهَا مِمَّا اشْتُرِطَ فِي الْجَوَابِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْدِيرِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: جَزَاءُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ " خَيْرٌ " وَحَذْفُ الْفَاءِ جَائِزٌ كَقِرَاءَةِ طَاوُسٍ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: ٢٢٠] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ ٢٢٠) أَيْ فَهُوَ خَيْرٌ، وَمِنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالشِّعْرِ كَقَوْلِهِ: مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرْهَا. فَقَدْ بَعُدَ عَنِ التَّحْقِيقِ وَضَيَّقَ حَيْثُ لَا ضِيقَ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>