للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى عَامِلِ) أَيْ أَمِيرِ (مَكَّةَ) يَوْمَئِذٍ (الْقَضَاءُ فِيهِ) لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ (فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ) الْخَلِيفَةِ إِذْ ذَاكَ (يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ) وَأَرْسَلَهُ إِلَى الشَّامِ (فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنِ ابْدَأْ بِدُيُونِ النَّاسِ) فَاقْضِهَا لَهُمْ (ثُمَّ اقْضِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ) لِسَيِّدِهِ (ثُمَّ اقْسِمْ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَمَوْلَاهُ) مُعْتِقِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ نِصْفَيْنِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَضَى بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ قَبْلَهُ، ذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ عَنِ الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ، فَقُلْتُ: قَضَى عُمَرُ أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَقَضَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ سَيِّدَهُ يُعْطِي بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ ثُمَّ مَا بَقِيَ لِوَلَدِهِ الْأَحْرَارِ. وَمَالِكٌ لَا يَقُولُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّ بِنْتَهُ كَانَتْ حُرَّةً أُمُّهَا حُرَّةٌ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْحُرُّ إِذَا مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ فِي كِتَابَتِهِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ لِسَيِّدِهِ كَمَا قَضَى بِهِ عَمْرٌو، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، انْتَهَى. مُلَخَّصًا.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ) يَجِبُ (عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ) وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ (وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ) وَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ سِيرِينَ وَالِدَ مُحَمَّدٍ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ فَاسْتَعْدَاهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَنَسٍ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَتَلَا عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: ٣٣) فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ.

وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَاتَبَ أَنَسٌ أَبِي عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَا مَحْفُوظَيْنِ جُمِعَ بَيْنِهِمَا بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْوَزْنِ وَالْآخَرِ عَلَى الْعَدَدِ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: هَذِهِ مُكَاتَبَةُ أَنَسٍ عِنْدَنَا، هَذَا مَا كَاتَبَ أَنَسٌ غُلَامَهُ سِيرِينَ عَلَى كَذَا وَكَذَا أَلْفًا، وَعَلَى غُلَامَيْنِ يَعْمَلَانِ مِثْلَ عَمَلِهِ. فَظَاهِرُ ضَرْبِ عُمَرَ لِأَنَسٍ حِينَ امْتَنَعَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى وُجُوبَ الْكِتَابَةِ إِذَا سَأَلَهَا الْعَبْدُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَدَّبَهُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ الْمُؤَكَّدِ. وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ الْكِتَابَةَ: لَوْلَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْتُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى الْوُجُوبَ، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: إِنَّمَا عَلَا عُمَرُ أَنَسًا بِالدِّرَّةِ عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ لِأَنَسٍ وَلَوْ لَزِمَتْهُ مَا أَبَى، وَإِنَّمَا نَدَبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>