للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عُمَرُ إِلَى الْأَفْضَلِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ عُمَرَ بِأَنَسٍ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ. (وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:) {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: ٣٣] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: ٣٣) {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] قِيلَ مَالًا، وَقِيلَ صَلَاحًا، وَقِيلَ هَنَاءً وَأَدَاءً، وَقِيلَ صِدْقًا وَوَفَاءً وَقُوَّةً. قَالَ أَبُو عُمَرَ: دَلَّ حَدِيثُ بَرِيرَةَ أَنَّهُ الْكَسْبُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْهَا أَمَعَكِ مَالٌ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَنْهَهَا عَنِ السُّؤَالِ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَسْبُ بِالْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ قِيلَ الْمَسْأَلَةُ آخِرُ كَسْبِ الْمُؤْمِنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: لَا يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُغَةً أَنْ يُقَالَ فِي الْعَبْدِ مَالٌ أَوْ فِي الْأَمَةِ مَالٌ ; لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ إِنَّمَا يَكُونُ لَهُ وَعِنْدَهُ وَفِي يَدِهِ لَا فِيهِ، قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ يَعْنِي دِينًا وَأَمَانَةً وَصِدْقًا وَوَفَاءً أَوْلَى، فَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ كَمَا قَالَ بِهِ مَسْرُوقٌ، وَعَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَمْرُوبْنُ دِينَارٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إِمَّا بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ وَكِلَاهُمَا لَا يَجِبُ، وَالْأَمْرُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِ الْوُجُوبِ، وَلِذَا كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] وَالصَّيْدُ بَعْدَ الْإِحْلَالِ لَا يَجُبْ إِجْمَاعًا فَهُوَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] وَالِانْتِشَارُ وَالِابْتِغَاءُ لَا يَجِبَانِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ.

وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ غَرَرٍ، فَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَجُوزَ فَلَمَّا أَذِنَ فِيهَا كَانَ أَمْرًا بَعْدَ مَنْعٍ، وَالْأَمْرُ بَعْدَ الْمَنْعِ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَهَا ثَبَتَ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمَّا لَمْ يُجِبْ عَلَى السَّيِّدِ بَيْعُهُ بِإِجْمَاعٍ، وَفِي الْكِتَابَةِ إِخْرَاجُ مَلْكِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضًى وَلَا طِيبِ نَفْسٍ كَانَتِ الْكِتَابَةُ أَحْرَى أَنْ لَا تَجِبَ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ عَلَى النَّدْبِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لَهُ عَنِ الْوُجُوبِ الشَّرْطُ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: ٣٣) فَإِنَّهُ وَكَّلَ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَوَالِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا رَأَى عَدَمَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمَّا ثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>