أَنَّهُ كَغَيْرِهِ، وَإِرْسَالُ الْإِمَامِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِيَسْأَلَهَا عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ، وَقَدْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ وُجُوبَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا، وَاحْتَجَّ لَهُ بِبَعْثِ أُنَيْسٍ، لَكِنْ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي وَاقِعَةِ حَالٍ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ سَبَبَ الْبَعْثِ مَا وَقَعَ بَيْنَ زَوْجِهَا، وَبَيْنَ وَالِدِ الْعَسِيفِ مِنَ الْخِصَامِ، وَالْمُصَالَحَةِ عَلَى الْحَدِّ، وَاشْتِهَارِ الْقِصَّةِ حَتَّى صَرَّحَ وَالِدُ الْعَسِيفِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ زَوْجُهَا، فَالْإِرْسَالُ إِلَى هَذِهِ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِهَا مِنَ التُّهْمَةِ الْقَوِيَّةِ بِالْفُجُورِ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ) وَزْنًا وَمَعْنًى لِأَنَّهُ يَعْسِفُ الطُّرُقَ أَيْ يَسْلُكُهَا مُتَرَدِّدًا فِي الِاشْتِغَالِ، وَالْجَمْعُ عُسَفَاءُ بِزِنَةِ أُجَرَاءَ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى بِالْقَضَاءِ الْخَلِيفَةُ الْعَالِمُ بِوُجُوهِ الْقَضَاءِ، وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَالطَّالِبَ أَحَقُّ بِالتَّقَدُّمِ بِالْكَلَامِ، وَإِنْ بَدَأَ الْمَطْلُوبُ بِرَدِّ هَذَا الْبَاطِلِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِقَبْضِهِ فِي مِلْكِهِ وَلَا يُصَحِّحُهُ لَهُ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَأَنَّهُ لَا جَلْدَ مَعَ الرَّجْمِ، وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، وَبَعْضِ السَّلَفِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: " خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ ".
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ ; لِأَنَّهُ رَجَمَ جَمَاعَةً وَلَمْ يَجْلِدْهُمْ، وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَلَمْ يَجْلِدُوا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي شُرَاحَةِ الْهَمْدَانِيَّةِ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَمُنْقَطِعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِنَحْوِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute