بِخَبَرِ الْوَاحِدِ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ إِذْ حُكْمُ النَّصِّ بَاقٍ وَهُوَ الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ بِالسَّنَةِ.
(وَأَمَرَ أُنَيْسًا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرٌ (الْأَسْلَمِيَّ) جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ فِي نَقْدِي أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ السَّكَنِ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ رِوَايَةً غَيْرَ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُقَالُ: هُوَ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ هُوَ أُنَيْسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ ; لِأَنَّهُ غَنَوِيٌّ وَهَذَا أَسْلَمِيٌّ، كَذَا فِي الْإِصَابَةِ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: أُنَيْسٌ هُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ نَقَلَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ عَنِ الْأَكْثَرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ (الْأَسْلَمِيَّ) ، وَوَهِمَ ابْنُ التِّينِ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ صُغِّرَ انْتَهَى.
فَإِنَّهُ خَصَّ الْأَسْلَمِيَّ قَصْدًا إِلَى أَنَّهُ لَا يُؤَمَّرُ فِي الْقَبِيلَةِ إِلَّا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِنُفُورِهِمْ عَنْ حُكْمِ غَيْرِهِمْ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ أَسْلَمِيَّةً.
(أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ) لِيُعْلِمَهَا أَنَّ الرَّجُلَ قَذَفَهَا بِابْنِهِ فَلَهَا عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ فَتُطَالِبُهُ أَوْ تَعْفُو عَنْهُ.
(فَإِنِ اعْتَرَفَتْ) بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا (رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا) أُنَيْسٌ لِأَنَّهُ حَكَّمَهُ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أُنَيْسًا إِنَّمَا كَانَ رَسُولًا لِيَسْمَعَ إِقْرَارَهَا فَقَطْ، وَأَنَّ تَنْفِيذَ الْحُكْمِ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُشْكِلُ كَوْنُهُ اكْتَفَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ ضَبْطِهِ وَخُصُوصًا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّهُ أَعْرَفُ النَّاسِ بِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أُنَيْسًا كَانَ حَاكِمًا، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ رَسُولٌ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ نَصٌّ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالشَّهَادَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ غَيْرَهُ شَهِدَ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَالِدُ الْعَسِيفِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْعَسِيفُ وَالزَّوْجُ فَلَا، وَغَفَلَ بَعْضُ مَنْ تَبِعَ عِيَاضًا فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَمْلِ وَإِلَّا لَزِمَ الِاكْتِفَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أُنَيْسًا بُعِثَ حَاكِمًا فَاسْتَوْفَى شُرُوطَ الْحُكْمِ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجْمِهَا فَأَذِنَ لَهُ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ إِنْفَاذِ الْحَاكِمِ رَجُلًا وَاحِدًا فِي الْإِعْذَارِ، وَفِي أَنْ يَتَّخِذَ وَاحِدًا يَثِقُ بِهِ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ فِي السِّرِّ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الْوَاحِدِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ لَا الشَّهَادَةُ انْتَهَى.
وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَلَدِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُفْتُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُفْتِيَانِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ حِرَاشٍ الْأَسْلَمِيِّ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِمَّنْ يُفْتِي فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَقْبَلُ الْفِدَاءَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالْحِرَابَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَذْفِ وَالصَّحِيحُ