الْعُلَمَاءُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْإِمَامُ حَيْثُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَى) مِنَ الْعُلَمَاءِ (فِي الْقَسَامَةِ وَالَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ) وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَوْلُهُ: (أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ) فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَبَطَلَ الدَّمُ، فَإِنْ أَبَوْا فَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ) أَيْ تَثْبُتُ لِوَلِيِّ الدَّمِ (إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ) قَبْلَ مَوْتِهِ (دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَأْتِي وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ آخِرَهُ مُثَلَّثَةٌ (مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمُ) بَيَانٌ لِلَّوْثِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: اللَّوْثُ الْبَيِّنَةُ الضَّعِيفَةُ غَيْرُ الْكَامِلَةِ (فَهَذَا يُوجِبُ) يُثْبِتُ (الْقَسَامَةَ لِلْمُدَّعِينَ الدَّمَ عَلَى مَنِ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عِنْدَنَا إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ) أَعَادَهُ تَأْكِيدًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا جَعَلَ مَالِكٌ قَوْلَهُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ شُبْهَةً وَلَطْخًا ; لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ طَبْعِ النَّاسِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ الْإِنَابَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ، تَعَالَى: {لَوْلَا أَخَّرْتِنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: ١٠] (سورة الْمُنَافِقُونَ: الْآيَةُ ١٠) وَقَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: ١٨] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ ١٨) فَهَذَا مَعْهُودٌ مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَدَعَ قَاتِلَهُ وَيَعْدِلَ إِلَى غَيْرِهِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا نَادِرٌ فِي النَّاسِ لَا حُكْمَ لَهُ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ أَنَّ الْمُبَدَّئِينَ بِالْقَسَامَةِ أَهْلُ الدَّمِ وَالَّذِينَ يَدَّعُونَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَهْلِ الدَّمِ، وَأَعَادَ ذَلِكَ وَإِنْ قَدَّمَهُ قَرِيبًا لِزِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَلِلِاحْتِجَاجِ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ بَدَّأَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثِيِّينَ) نِسْبَةً إِلَى حَارِثَةَ، بِمُثَلَّثَةٍ، بَطْنٌ مِنَ الْأَوْسِ؛ يَعْنِي الْمَذْكُورِينَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ طَرِيقَيْهِ (فِي قَتْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute